زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينيةعقائد السنة

المهدي بين الشيعة والسنة (3)

المهدي بين الشيعة والسنةيمكن بحمد الله إثبات وجود مهدييَّن في آخر الزمان من خلال ما روته الكتب السنية كما تم إثباته من خلال كتب الشيعة، فقد أخرج ابن أبى شيبة (37223), وأحمد (6\316\27224), وأبو داود (4286), وأبو يعلى (6901), والطبراني [ في الكبير ](23\390\931) و(1153 الأوسط) عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي r قال: (( يكون اختلاف عند موت خليفة, فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة, فيأتيه ناس من أهل مكة, فيخرجونه وهو كاره, فيبايعونه بين الركن والمقام, ويبعث إليه بعث من الشام, فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة, فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام و عصائب أهل العراق , فيبايعونه بين الركن والمقام , ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب , فيبعث إليهم بعثنا, فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب, والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب , فيقسم المال, ويعمل في الناس بسنة نبيهم r ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض, فيلبث سبع سنين, ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ))([1]).

في هذه الرواية يظهر المهدي في مكة، كما هو واضح، فالمهدي يخرج من المدينة إلى مكة، وهناك يأتيه ناس ويبايعونه، ولكن إلى جانب هذه الرواية توجد روايات كثيرة نستدل منها أمراً آخر. 

فقد ورد عن عبد الله بن عمر قال: (( يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق، لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقاً ))([2]).

هذا الرجل من ولد الحسين الذي يخرج من قبل المشرق، سنعرف الآن أنه المهدي، الأمر الذي يتعارض مع الحديث أعلاه، ولا يمكن الجمع إلا بما قلناه من وجود أكثر من مهدي في عصر الظهور. وسنثبت الآن أن الرجل من ولد الحسين هو المهدي:

فعن أبي جعفر قال: (( يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال من خراسان برايات سود، بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم ))([3]).

إذن الذي يخرج من قبل المشرق، أو خراسان – الشاب أو الرجل من ولد الحسين – يقاتل أصحاب السفياني ويهزمهم.

وعن علي قال: (( تخرج رايات سود تقاتل السفياني، فيهم شاب من بني هاشم، في كتفه اليسرى خال، وعلى مقدمته رجل من بني تميم، يدعى شعيب بن صالح، فيهزم أصحابه))([4]).

من هذه الرواية نفهم أن هذا الرجل من ولد الحسين صاحب الرايات السود يكون على مقدمة جيشه رجل من شعيب يدعى شعيب بن صالح.  

وعن عمار بن ياسر قال: (( إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد خرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح ))([5]).

إذن الفتى التميمي شعيب بن صالح يكون على لواء المهدي، ومنه يتضح أن المهدي المقصود هو صاحب الرايات السود، وهو غير المهدي الذي يخرج بمكة.

ولكي نعزز هذه النتيجة أكثر أقول:

أخرج مسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، عن أبي قلابة، عن ثوبان قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (( وإذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان، فأتوها فانّ فيها خليفة اللّه المهدي ))([6]).

ونظير ذلك ما أخرجه ابن ماجة عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (( يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة، ثمّ لا يصير إلى واحد منهم، ثمّ تطلع الرايات السود من قبل المشرق ويقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ـ ثمّ ذكر شيئاً لا أحفظه ـ فقال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فانّه خليفة اللّه المهدي ))([7]).

إذن خليفة الله المهدي يُقبل مع الرايات السود القادمة من خراسان أو المشرق.

وعن عبد الله بن مسعود، قال: (( بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اغرورقت عيناه وتغير لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه! فقال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤوها جورا ))([8]).

في هذه الرواية: الرايات السود يدفعونها إلى رجل من أهل بيت رسول الله (ص) وهو المهدي كما هو معروف. كما إنهم يوطئون للمهدي كما روي عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: (( قال رسول الله: يخرج ناس من المشرق، فيوطئون للمهدي ))([9]).

وهم أنصاره، كما ورد عن علي (ع)، قال: (( ويحاً للطالقان، فإن لله عز وجل بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة، ولكنَّ بها رجالاً عرفوا الله حق معرفته، وهم أنصار المهدي آخر الزمان))([10]).

هنا نتساءل: ما معنى إنهم يوطئون للمهدي، كما تقول هذه الروايات، وما معنى إن المهدي فيهم ؟؟ من الواضح إن البعض قد يرى تعارضاً بين الروايات، ولكننا لو قرأنا الرواية التالية ينحل التعارض وتتضح الحقيقة: 

عن علي(ع) قال: (( إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشاً فخسف بهم بالبيداء وبلغ ذلك أهل الشام، قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته وإلا قتلناك فيرسل إليه بالبيعة، ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس وتنقل إليه الخزائن وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال، حتى تبنى المساجد بالقسطنطينية وما دونها. ويخرج قبله رجل من أهل بيته بأهل المشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت ))([11]).  

فالمهدي الذي يخرج من المشرق من أهل بيت المهدي محمد بن الحسن (ع) الذي يخرج في مكة، أي إنه أحمد أو المهدي الذي يولد في آخر الزمان.

والحقيقة إن التفريق بين المهدي صاحب الرايات السود وهو المهدي الذي يولد في آخر الزمان واسمه أحمد، وأبيه الإمام المهدي محمد بن الحسن، يتيح لنا إيجاد الحل المناسب للكثير من الروايات التي تبدو متعارضة من قبيل ما ورد عن علي (ع)([12])، يقول: (( يفرج [ الله ] الفتن برجل منا, يسومهم خسفا, لا يعطيهم إلا السيف, يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر, [ هرجا ] حتى يقولوا: والله ما هذا من ولد فاطمة, لو كان من ولدها لرحمنا, يغريه الله ببني العباس وبني أمية))([13]).

هذا الحديث الذي يصور المهدي وهو يخوض الحروب يناقضه ما ورد عن أبي هريرة قال: (( يبايع المهدي بين الركن والمقام, لا يوقظ نائما, ولا يهريق دما ))([14]).

فالذي يخوض الحروب ويباشر الملاحم هو مهدي آخر الزمان الذي يُقبل مع الرايات السود، والمهدي الذي لا يهريق دماً هو الإمام المهدي محمد بن الحسن (ع) الذي يخرج في مكة.

 [1] –  العرف الوردي الحديث رقم 16

[2] – ابن حماد:1/372 ومثله وعنه تلخيص المتشابه:1/407، وبيان الشافعي/513، وعقد الدرر/127، والقول المختصر/15.

[3] – ابن حماد/84 وعنه عقد الدرر/128 ، والحاوي:2/68.

[4] – ابن حماد:1/314 وعنه الحاوي:2/69 ، وجمع الجوامع:2/103.

[5] – ابن حماد:1/314، والحاوي:2/68.

[6] – صحيح مسلم: 8|171، باب هلاك هذه الاَُمّة بعضهم ببعض من كتاب الفتن.مسند أحمد: 5|277. 

[7] – سنن ابن ماجة: 2|1376 برقم 4084. وانظر أيضاً الحديث النبوي ج 20 ص 5 وقال في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. والمهدي المنتظر (ع) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة – دكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي – ص 203: وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة : ” هذا سند جيد رجاله كلهم ثقات ، وله شواهد كثيرة ” . وكذلك في تعليقاته على مشكاة المصابيح . وقال في صحيح الجامع الصغير : ” صحيح “. النتيجة : إسناده حسن .

[8] – سنن أبي داود 4|107. والروض الفسيح ج4ص2. وكشف الغمّة 2 / 473. والعَرف الوردي: 48 ح 59.

[9] – رواه ابن ماجة:2/1368. ومثله الطبراني في الأوسط:1/200، بتفاوت يسير. وعنه بيان الشافعي/490، وقال: هذا حديث حسن صحيح روته الثقاة والأثبات ، وعقد الدرر/125، وتذكرة القرطبي/699 ، وفرائد السمطين:2/333 ، وخريدة العجائب/257 ، وتحفة الأشراف:4/307 ، والمنار المنيف/145 ، وفتن ابن كثير:1/41 والحافظ المغربي/555، وقال: الحديث صحيح ، ومحمد بن مروان ثقة ما نقله الطاعن(ابن خلدون)عن يحيى بن معين وأبي داود وابن حبان على اختلاف عبارتهم وتنوعها في توثيقه. وقول أبي زرعة غير مقبول ، إذ لم يبين سببه مع ثبوت العدالة التوثيق له من غيره ، بل ممن هو أشد منه في الرجال وهو يحيى بن معين ، وكذا ترك عبد الله بن أحمد الرواية عنه ، وأما قول البزار لا نعلم أنه تابعه عليه أحد فإن كان مراده المتابعة التامة عن شيخه فيمكن ، وإن كان مراده مطلق المتابعة فغير مسلم ما ادعاه فقد توبع على ذلك..الى آخر كلامه.

[10] – انظر الحاوي للسيوطي:2/82، وكنز العمال:7/262، وفي رواية ينابيع المودة/449: (بخٍ بخ للطالقان).

[11] – ابن حماد:1/349، وعنه عقد الدرر/129، والحاوي:2/70، وجمع الجوامع:2/103، والمغربي/579.

[12] – العرف الوردي: حديث رقم 130.

[13]–  الزيادة من (الفتن)

[14] – العرف الوردي: حديث رقم  170.

ياقائم آل محمدـــــــــــــــــــــــــــــــ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى