زاوية العقائد الدينيةعقائد السنةعقائد الشيعة

آية أولي الأمر الحلقة الثالثة

 غزوة تبوك:

 إن هذه الغزوة هي آخر غزوة من غزوات النبي الأكرم (صلى اللـه عليه وآله) طيلة فترة رسالته حيث وقعت أحداثها في السنة الأخيرة من سنوات عمره الشريف، ومكانها يقع في أعلى نقطة من منطقة الحجاز وفي الحدود المشتركة بين الجزيرة العربية والروم الشرقية.

عندما اتسعت رقعة الإسلام واستحكمت دعائمه في المدينة وانتشر خبره في أرجاء المعمورة أحست الدول المجاورة لدولة الإسلام ومنها الروم الشرقية «سورية وفلسطين» بالخطر من هذه الدعوة الجديدة وفكروا في الهجوم على المسلمين لصد هذا الخطر الذي يهدد عروشهم وتيجانهم ولذلك أقدم الروم على تشكيل جيش مقداره أربعين ألف جندي بكامل العدّة والعدد وتحركوا باتجاه الحجاز.

 وعندما وصل هذا الخبر إلى المسلمين وإلى النبيّ الأكرم (صلى اللـه عليه وآله) أمر النبيّ (صلى اللـه عليه وآله)المسلمين بأن يستعدوا لمواجهة هذا العدو وبالتحرك باتجاهه ولا يجلسوا في المدينة بانتظار قدومه، وكانت هذه الاستراتيجية العسكرية مناسبة جدّاً لهذه الواقعة لأنه ليس من المناسب التقوقع في حالة دفاعية وانفعالية اتجاه هذا الخطر بل ينبغي أن يقابل هذا الهجوم بهجوم آخر.

 واتفق في زمن وقوع هذه الحرب أنها كانت في أجواء صعبة وغير مناسبة لأنها من جهة كانت حرارة الصيف على أشدها في الحجاز، ومن جهة اُخرى فإن المحصولات الزراعية لهذه السنة على وشك النضج وقد فرغت المخازن الغذائية للسنة الماضية لدى المسلمين، ومن جهة ثالثة فإنّ الفاصل بين المدينة ومنطقة تبوك فاصلة كبيرة جداً حيث ينبغي على المسلمين طي هذا المسير مشياً على الأقدام غالباً لأنه لم يكن لكلّ عشرة أشخاص سوى مركب واحد، وعلى هذا الأساس عليهم أن يتناوبوا في الركوب، وعلى أية حال فقد صدر الأمر بالتوجه إلى منطقة تبوك فجمعوا ما تبقى لديهم من الأغذية من قبيل بعض التمر اليابس وقد يكون فاسداً أيضاً وتوجه المسلمون بجيش بلغ مقداره ثلاثين ألف شخص بقيادة رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله) إلى تبوك. وكان العطش والجوع يلم بجيش الإسلام وقد تورمت أقدام الكثير منهم بسبب المشي في الصحراء المحرقة ولكنهم وبالرغم من هذه الصعاب والمشاكل استمروا في طريقهم وقد تحمل جنود الإسلام في ذهابهم وإيابهم الكثير من الصعاب وواجهوا تحديات الواقع المفروض عليهم ولهذا سمّي هذا الجيش بـ «جيش العسرة».

 ثمّ إن النبي الأكرم استشار أصحابه بالنسبة إلى الرجوع إلى المدينة أو مواصلة الطريق والهجوم على العدو في الشام، وكانت نتيجة الشورى هي التصميم على العودة إلى المدينة لأن الإسلام لم يزل في بداياته ولم تكن للمسلمين القدرة الكافية والتجربة الوافية لفتح البلدان والمناطق الاُخرى، وعلى هذا الأساس كان هذا الاقدام العسكري في غاية الخطورة بالنسبة إلى الدولة الإسلامية الفتية.

 وبملاحظة ما تقدّم فإن غزوة تبوك كانت تختلف تماماً عن غزوات الإسلام الاُخرى، وخاصّة لطول مدّة عدم حضور النبيّ والمسلمين في المدينة وبُعد المسافة بين المدينة وتبوك فكان من المحتمل جداً أن يتآمر المنافقون في المدينة بالتوافق مع الأعداء خارج المدينة، ولهذا كان من المفروض أن يخلف النبي الأكرم أقوى وأشجع المسلمين ليحفظ دار الإسلام وعاصمة البلد الإسلامي من شر الأعداء ومؤامرات المنافقين المحتملة، ولم يكن هذا الشخص سوى الإمام علي (ع) ولهذا فإن النبي الأكرم (صلى اللـه عليه وآله) عينه على المدينة كما تقدّم في رواية أبي بكر المؤمن الشيرازي المتقدّمة بعنوان أنه اُولوا الأمر.

 وعلى هذا الأساس فإن الإمام علي (عليه السلام) كان يتصف بصفة «اُولوا الأمر» حتّى في زمان النبي الأكرم رغم أن ذلك كان بشكل مؤقت فكانت طاعته مترادفة مع إطاعة اللـه ورسوله وواجبة على المسلمين في المدينة، وعليه فإن هذا الإشكال أي إشكال فعلية الإطاعة في الآية الشريفة يتضح جوابه ممّا تقدّم بيانه.

 السؤال الثاني : إن كلمة اُولوا الأمر تدلّ على الجمع والإمام عليّ شخص واحد، فهل المراد من اُولوا الأمر» هو الإمام علي لوحده ؟

 الجواب: صحيح أن كلمة «اُولوا الأمر» صيغة للجمع ولكن المراد ليس هو الإمام عليّ فقط بل تشمل جميع الأئمّة الاثنا عشر للشيعة الذين يقول بهم الشيعة كما ورد ذلك في حديث الثقلين بعنوان (عترتي أهل بيتي) حيث لا تختص بالإمام علي بل تشمل جميع الأئمّة المعصومين.

  والنتيجة هي أن المراد من اُولي الأمر جميع الأئمّة الاثنا عشر كلّ واحد في زمانه الخاصّ حيث يجب إطاعته بدون قيد أو شرط على جميع المسلمين.

 السؤال الثالث : لماذا لم تتكرر كلمة «اُولوا الأمر» في ذيل الآية بحيث يرجع إليهم المسلمون في حلّ اختلافهم ومشاكلهم ؟ حيث قالت الآية:﴿ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللـه وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللـه وَ الْيَوْمِ الآْخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْويلاً﴾، فلم تذكر الرد لأولي الأمر !!

ويفسرون أبناء العامة وجوب الرد إلى اللـه يتحقق بالرد للقرآن، والرد للرسول يتحقق بالرد إلى سنة الرسول (ص)، ولكنهم غفلوا عن الآية التي جاءت بعد الآية محل البحث بأيات عديدة حيث جاء فيها، قال تعالى:  ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللـه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً([1]).

فالآية تؤكد أن أولي الأمر هم الذين يجب لهم الرد في الأمور الدينية المختلف فيها، وهم الذين وجبت طاعتهم في الآية الأولى، و الأمراء ليس ممن يرد إليهم في الأمور الدينية، والحال أن الآية تبين أن أولي الأمر يستنبطون ويجب إليهم الرد في حالات الاختلاف.

وما يقال: من أن الرد للـه يكون للقرآن، وللرسول يكون للسنة فهو تخرّص محض لا دليل عليه مضافاً إلى أن الآية التي تأمر بالرد لأولي الأمر، فهم حتماً لا يقولون بأن الرد إليهم هو الرد إلى السنة بل قالوا بأن الرد للرسول هو الرد للسنة لا الرد لأولي الأمر.

روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عمن ذكره ، عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبد اللـه عليه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال : إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك ، فقال أبو عبد اللـه عليه السلام : كلامك من كلام رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله أو من عندك ؟ فقال : من كلام رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله ومن عندي فقال أبو عبد اللـه : فأنت إذا شريك رسول اللـه ؟ قال : لا ، قال : فسمعت الوحي عن اللـه عز وجل يخبرك ؟ قال : لا ، قال : فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله ؟ قال : لا ، فالتفت أبو عبد اللـه عليه السلام إلي فقال : يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل ان يتكلم ثم قال : يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته ، قال يونس : فيالها من حسرة ، فقلت : جعلت فداك انى سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام يقولون ، هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله ، فقال أبو عبد اللـه عليه السلام : إنما قلت : فويل لهم ان تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون . ثم قال لي : اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فادخله ؟ قال : فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام ، وأدخلت الأحول وكان يحسن الكلام وأدخلت هشام بن سالم وكان يحسن الكلام ، وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندي أحسنهم كلاما ، وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين عليهما السلام فلما استقر بنا المجلس – وكان أبو عبد اللـه عليه السلام قبل الحج يستقر أياما في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة – قال : فأخرج أبو عبد اللـه رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخب فقال : هشام ورب الكعبة ، قال : فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له . قال : فورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته وليس فينا الا من هو أكبر سنا منه ، قال : فوسع له أبو عبد اللـه عليه السلام وقال : ناصرنا بقلبه ولسانه و يده ، ثم قال : يا حمران كلم الرجل ، فكلمه فظهر عليه حمران ، ثم قال : يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه الأحول ، ثم قال : يا هشام بن سالم كلمه ، فتعارفا ، ثم قال أبو عبد اللـه عليه السلام لقيس الماصر : كلمه فكلمه فأقبل أبو عبد اللـه عليه السلام يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي . فقال للشامي : كلم هذا الغلام – يعنى هشام بن الحكم – فقال : نعم فقال لهشام : يا غلام سلني في امامة هذا ، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي : يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم ؟ فقال الشامي : بل ربي انظر لخلقه ، قال : ففعل بنظره لهم ماذا ؟ قال ، أقام لهم حجة ودليلا كيلا يتشتتوا أو يختلفوا ، يتألفهم و يقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم قال : فمن هو ؟ قال : رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله ، قال هشام : فبعد رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله ؟ قال : الكتاب والسنة ، قال هشام : فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا ؟ قال الشامي : نعم ، قال : فلم اختلفنا انا و أنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك ؟ قال : فسكت الشامي ، فقال أبو عبد اللـه عليه السلام للشامي : ما لك لا تتكلم ؟ قال الشامي : إن قلت : لم نختلف كذبت ، وإن قلت : ان الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت ، لأنهما يحتملان الوجوه وان قلت : قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة الا ان لي عليه هذه الحجة ، فقال أبو عبد اللـه عليه السلام : سله تجده مليا . فقال الشامي : يا هذا من انظر للخلق اربهم أو أنفسهم ؟ فقال هشام : ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم ، فقال الشامي : فهل أقام من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم ؟ قال هشام : في وقت رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله أو الساعة ؟ قال الشامي : في وقت رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم والساعة من ؟ فقال هشام : هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال ، ويخبرنا باخبار السماء [ والأرض ] وراثة عن أب عن جد ، قال الشامي : فكيف لي ان اعلم ذلك ؟ قال هشام : سله عما بدا لك ، قال الشامي ، قطعت عذري فعلي السؤال…([2]).


[1]– النساء83.

[2]– الكافي – الشيخ الكليني – ج 1 – ص 171 – 173.

………………………………………………………………………………………………………………………………

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 16 – السنة الثانية – بتاريخ 9-11-2010 م – 3 ذوالحجة 1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى