زاوية العقائد الدينيةعقائد السنةعقائد الشيعة

آية أولي الأمر الحلقة الأولى

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللـه وَ أَطيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللـه وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللـه وَ الْيَوْمِ الآْخِرِ ذالِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْويلاً([1])

يخاطب اللـه تعالى في هذا المقطع من الآية الشريفة جميع المؤمنين في أقطار العالم وفي جميع الأزمنة والأعصار إلى يوم القيامة بتقديم الطاعة المطلقة لثلاثة من الأولياء:

 الأوّل : إطاعة اللـه تعالى، ثمّ إطاعة النبي، والثالث إطاعة اُولي الأمر، ولم يتكرر الفعل أطيعوا بين الرسول وأولي الأمر للدلالة على أن طاعة أولي الأمر عينها طاعة الرسول (ص).

ونمر بمعاني الآية عبر نقطتين:

1-   حدود إطاعة اُولي الأمر :

 قبل الدخول في تفاصيل نظريات المفسّرين حول معنى اُولي الأمر لابدّ من توضيح حقيقة مهمة لها دورٌ في فهم معنى اُولي الأمر، وهي : هل أن إطاعة اُولي الأمر مقيّدة ومشروطة، أو أنها مطلقة كما في إطاعة اللـه ورسوله ؟ وبعبارة اُخرى هل أنّ إطاعة اُولي الأمر مقيّدة بقيود زمانية ومكانية وغير ذلك، أو أنها واجبة على الإنسان في كلّ زمان ومكان وفي مختلف الظروف ؟

 الجواب : الظاهر أن الآية الشريفة أطلقت وجوب إطاعة اُولي الأمر ولم تقيّدها بقيد وشرط معيّن، وببيان آخر أن إطاعة اُولي الأمر في الآية الشريفة لم يقيد بعدم الإشتباه والخطأ الحاصل لدى اُولي الأمر، وببيان ثالث كما أن إطاعة اللـه ورسوله واجبة مطلقاً فكذلك إطاعة اُولي الأمر أيضاً قد وردت في الآية بصورة مطلقة، وعليه فلابدّ أن يكون اُولو الأمر من المعصومين لأن إطلاق وجوب الإطاعة لا يصحّ إلاّ إذا كان المطاع معصوماً، لأنه لا يصحّ فرض طاعة الشخص الذي يرتكب الخطأ والإشتباه في أحكامه. ولذلك نحن نعتقد بأن القاضي إذا أخطأ في إصدار حكمه وعلم أحد طرفي الدعوة بخطأ القاضي في صدور الحكم له على صاحبه، فلا يمكنه بمجرد إصدار القاضي لحكمه أن يتملك ما حكم له أو يلقي بالذنب على صاحبه.

 وحتّى مراجع التقليد لو أنهم أخطأوا في مسألة من المسائل فإنه لا يجب اتباعهم وطاعتهم في هذه المسألة كما في رؤية الهلال إذا لم يثبت لمرجع التقليد رؤية الهلال في الليلة الثلاثين من شهر رمضان المبارك وحكم بصوم اليوم الثلاثين ولكنّ بعض المقلِدين يرى بعينه هلال شوّال في الليلة الثلاثين، فهنا لا يمكنه التمسّك بفتوى مرجعه واتباعه في صوم اليوم الثلاثين بل يجب عليه أن يفطر في ذلك اليوم لأنه يعلم بخطأ المرجع في هذه الفتوى.

 وعلى هذا الأساس فإنّ الإطاعة المطلقة لا تصحّ إلاّ من المعصومين، وبما أن الآية الشريفة ذكرت إطاعة اُولي الأمر بصورة مطلقة فلذلك نعلم بأن اُولي الأمر يجب أن يكونوا من المعصومين.

2-   من هم اُولي الأمر ؟

لقد أختلف أبناء العامة اختلافاً شديداً في المراد من أولي الأمر، قال العيني في عمدة القاري :ج 18 – ص 176، وهو من كبار علماء العامة:( قوله : ( وأولي الأمر منكم ) ، في تفسيره أحد عشر قولاً : الأول : الأمراء ، قاله ابن عباس وأبو هريرة وابن زيد والسدي . الثاني : أبو بكر وعمر رضي اللـه تعالى عنهما ، قاله عكرمة . الثالث : جميع الصحابة ، قال مجاهد . الرابع : الخلفاء الأربعة قاله أبو بكر الوراق فيما قاله الثعلبي . الخامس : المهاجرون والأنصار ، قاله عطاء . السادس : الصحابة والتابعون . السابع : أرباب العقل الذين يسوسون أمر الناس ، قاله ابن كيسان . الثامن : العلماء والفقهاء ، قاله جابر بن عبد اللـه والحسن وأبو العالية . التاسع : أمراء السرايا . قاله ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي . العاشر : أهل العلم والقرآن ، قاله مجاهد واختاره مالك . الحادي عشر : عام في كل من ولي أمر شيء ، وهو الصحيح ، وإلي مال البخاري بقوله : ( ذوي الأمر ).

فهناك نظريات مختلفة في هذا المجال ونشير إلى بعضها:

 الأوّلى: المراد من اُولي الأمر قادة الاُمّة : فإن كلُّ من استلم زمام الحكم في المجتمع الإسلامي يطلق عليه اُولي الأمر ويجب إطاعته بصورة مطلقة حتّى لو أنه تسلّم هذا المقام بالقوّة والقهر ومن دون رضى الناس وحتّى لو كان من أفسق الناس فتجب إطاعته، وعليه فإن إطاعة الحكّام حتّى لو كانوا من أمثال المغول والتتر فيما لو تسلطوا على المجتمع الإسلامي تكون واجبة. وقد ذهب إلى هذه النظرية جمع من علماء أهل السنّة.

ورووا روايات وضعوها عن لسان الرسول (ص) توجب طاعة الحاكم الجائر وهي كثيرة جداً في مصادر أبناء العامة، وقد وصل فيها التحذير إلى حد اعتبار الثائر على الحاكم الجائر خارجاً عن الإسلام ، باغياً، واجب القتل، مهدور الدم ، يموت موتة جاهلية وأنه كافر مخلد في النار ، لكنه إذا انتصر صار حاكماً شرعياً واجب الطاعة ، وصار الخارج عليه ملعونا كما كان هو ملعونا قبل ساعة . . وهكذا تصنع السياسة ومخالفة الرسول ! !

 – روى مسلم في صحيحه ج 6 ص 21 عن أبي هريرة عن النبي صلى اللـه عليه وسلم أنه قال : من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية .

 – وروى مسلم في ج 6 ص 22 عن الحسن بن الربيع ، عن حماد قال : من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه ، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلاّ مات ميتة جاهلية . . . .

– وروى الحاكم في المستدرك ج 1 ص 118 عن أبي هريرة أن رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) قال : من فارق الجماعة فمات، مات موتة جاهلية .

– وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 218 عن أبي هريرة أن رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم قال : سيليكم بعدي ولاة ، فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم.

 ولكن هل يصحّ الإلتزام بهذه النظرية عقلاً وشرعاً؟

 أليس مراد اللـه ورسوله إقامة العدل والقسط في المجتمع الإسلامي ؟ إذن فكيف يمكن للظالم والحاكم بالجور أن يصبح خليفة لرسول اللـه ويقلع اُسس العدالة من المجتمع الإسلامي ويقيم حكمه على الظلم والجور ؟

 إنّ هذا التفسير لمعنى اُولي الأمر لا ينسجم مع أيّ برنامج إصلاحي في الإسلام فهل أن القائلين بهذا الكلام يرون أنه لو تسلط الحاكم الظالم بقوّة السيف على المجتمع الإسلامي وسحق جميع القيم الإسلامية تحت قدمه وأشاع الفحشاء والمنكر وقضى على المعروف والقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية واستهان بالواجبات الإلهية، فمع ذلك يجب على المسلمين أن يعترفوا بأنه من اُولي الأمر وأنه خليفة رسول اللـه وعليهم أن يطيعوا هذا الإنسان الظالم والمنحرف ؟

 مع الأسف إنّ هؤلاء يرون وجوب إطاعة مثل هذا الشخص الفاسد والظالم كما هو الحال في معاوية وابنه يزيد حيث يرون أنهم من اُولي الأمر.

جاء في كتاب الإمام الحسين عليه السلام إلى أشراف الكوفة: ( بسم اللـه الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد ، والمسيب بن نجبه ، ورفاعة بن شداد ، و عبد اللـه بن وأل ، وجماعة المؤمنين ، أما بعد فقد علمتم أن رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله قد قال في حياته : (( من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم اللـه ، ناكثاً لعهد اللـه ، مخالفا لسنة رسول اللـه ، يعمل في عباد اللـه بالاثم والعدوان ثم لم يغير يقول ولا فعل، كان حقيقاً على اللـه أن يدخله مدخله )) وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ ، وأحلوا حرام اللـه ، وحرموا حلاله ، وإني أحق بهذا الامر لقرابتي من رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله ([2]).

  الثانية: وذهب بعض المفسّرين إلى عصمة اُولي الأمر ورفضوا النظرية السابقة وبما أن الناس بصورة عامة غير معصومين فلذلك يكون المراد باُولي الأمر مجموع الاُمّة الإسلامية، وبديهي أن الاُمّة الإسلامية معصومة من الخطأ فلا يمكن أن يقع جميع المسلمين في وادي الضلالة والخطأ رغم أن كلُّ فرد غير معصوم، وعلى هذا الأساس فكما أن إطاعة اللـه ورسوله واجبة فكذلك يجب اتباع الاُمّة الإسلامية أيضاً.

 ولكن نقول في مقام الجواب على هذه النظرية : كيف يمكن تحصيل رأي جميع أفراد الاُمّة الإسلامية ؟ ألا يجب تحصيل جميع آراء ونظريات المسلمين ؟ وإذا لم يجب تحصيل رأي كلّ فرد من المسلمين وانتخب المسلمون وكلاء ونوّاب عنهم وقلنا بكفاية اتفاق وإجماع هؤلاء الوكلاء والنوّاب للاُمّة الإسلامية فإنه يقال : هل يمكن أن يحصل اتفاق في آراء هؤلاء الوكلاء للاُمّة الإسلامية ؟

 إنّ الغالب هو عدم إمكانية تحصيل الإتفاق في الآراء حتّى لوكلاء ونوّاب الاُمّة الإسلامية، فلو قيل إنّ اتفاق الآراء غير لازم بل المعيار هو الأكثرية، فكلما رأت أكثرية النوّاب للاُمّة الإسلامية في مسألة معيّنة الحلّ بصورة معيّنة فيجب اتباعهم بعنوانهم اُولي الأمر، فهل أن معنى اُولي الأمر يصدق حقيقةً على أكثرية النوّاب والوكلاء للاُمّة الإسلامية ؟

وقد علق الفخر الرازي وهو من كبار مفسري العامة بقوله: اعلم أن قوله : ﴿ وأولي الأمر منكم ﴾ يدل عندنا على أن إجماع الأمة حجة ، والدليل على ذلك أن اللـه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ومن أمر اللـه بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللـه بمتابعته ، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ والخطأ لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد ، وانه محال ، فثبت أن اللـه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أن كل من أمر اللـه بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوما عن الخطأ ، فثبت قطعا أن أولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوما ، ثم نقول : ذلك المعصوم إما مجموع الأمة أو بعض الأمة ، لا جائز أن يكون بعض الأمة ؛ لأنا بينا أن اللـه تعالى أوجب طاعة أولي الأمر في هذه الآية قطعا ، وإيجاب طاعتهم قطعا مشروط بكوننا عارفين بهم قادرين على الوصول إليهم والاستفادة منهم ، ونحن نعلم بالضرورة أنا في زماننا هذا عاجزون عن معرفة الامام المعصوم ، عاجزون عن الوصول إليهم ، عاجزون عن استفادة الدين والعلم منهم ، وإذا كان الأمر كذلك علمنا أن المعصوم الذي أمر اللـه المؤمنين بطاعته ليس بعضا من أبعاض الأمة ، ولا طائفة من طوائفهم . ولما بطل هذا وجب أن يكون ذلك المعصوم الذي هو المراد بقوله : ( وأولي الأمر ) أهل الحل والعقد من الأمة ، وذلك يوجب القطع بأن إجماع الأمة حجة ([3]).

 ومن الملاحظ أنه لا يريد الاعتراف بالأئمة ومن هنا قال بان العاصم مجموع الامة ، وبالتالي فالامة يجب عليها إطاعة الامة !!!.

الثالثة : نظرية جميع علماء الشيعة، وهي أن المراد باُولي الأمر هم المعصومون (ع) ولا يمكن أن يكون في كلّ زمان إلاّ شخص واحد معصوم، وهذا الشخص كان في زمن نزول القرآن وبعد رحيل النبي الأكرم(ص) هو أمير المؤمنين (ع) وبعده أحد عشر من ذرّيته من الأئمّة المعصومين (ع).

توضيح ذلك:

1– تقدّم في أن اُولي الأمر – وبمقتضى الآية الشريفة أن إطاعة اللـه ورسوله واُولي الأمر واجب بصورة مطلقة- يجب أن يكونوا معصومين ليتسنّى للمكلّفين إطاعتهم بدون سؤال وترديد، أي أن وليّ الأمر يجب أن يكون مصوناً من الخطأ والذنب والإشتباه في بيان الحكم وفي دائرة حجيته التي جعلها اللـه له سبحانه.

2- إنّ اُولي الأمر المعصومين كما تقدّم آنفاً لا يمكن أن يكونوا جميع الاُمّة الإسلامية أو العلماء والمفكرين من وكلاء ونوّاب الاُمّة أو أكثريتهم بل يجب أن يكون المعصوم شخصاً خاصاً وفرداً معيناً منهم.

 3– بما أن العصمة مرتبة معنوية عالية ودرجة كاملة من التقوى فإنّه لا يمكن للناس تشخيص المصداق لهذا المعيار، ولذلك فإنّ اُولي الأمر يجب أن يعيّنوا من قبل اللـه تعالى أو النبي الأكرم (صلى اللـه عليه وآله)، وهكذا يقوم كلّ معصوم بتعيين المعصوم الذي يليه للناس.

 والنتيجة هي أوّلاً : يجب أن يكون اُولوا الأمر معصومين.

 ثانياً : يجب أن يكون المعصوم فرداً خاصاً ومعيّناً.

 ثالثاً : إنّ تعيين المعصوم من اُولي الأمر يجب أن يكون من قبل اللـه تعالى.

 وهنا يجب التوجه إلى الروايات عيّنت مصداق اُولوا الأمر للمسلمين ؟ وهل أن اللـه تعالى أو نبيّه الكريم قد نصب هذا القائد المعصوم للناس ؟ وهذا سيأتي في حلقة لاحقة.


[1]– سورة النساء : الآية 59.

[2]– العوالم ، الإمام الحسين (ع) – الشيخ عبد اللـه البحراني – ص 232 – 233.

[3]– تفسير الرازي – الرازي – ج 10 – ص 144.

…………………………………………………………………………………………………………………………………..ز

( صحيفة الصراط المستقيم – العدد 14 – السنة الثانية – بتاريخ 26-10-2010 م -18 ذو القعدة 1431 هـ.ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى