زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينيةعقائد أهل الكتاب

أمة الملكوت القادم بحسب تبشير الكتاب المقدس(نبي أرض فاران القسم الثاني )

أمة الملكوت القادم بحسب تبشير الكتاب المقدس(نبي أرض فاران)ورد في كتاب الخصال:

( حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه قال: سألت أبا الحسن علي – ابن موسى الرضا عليهما السلام عن معنى قول النبي صلى اللّـه عليه وآله : أنا ابن الذبيحين قال : يعني إسماعيل ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام وعبد اللّـه بن عبد المطلب )([1]).

ومن الحقائق القطعية التي كانت محور تأريخ العرب، والتي على أساسها قامت حياتهم الاجتماعية في سلمهم وحربهم، وأكدّها علم الأنساب لديهم كأساس لا يقبل التشكيك هي حقيقة أن إسماعيل u عاش مع والدته بمكة المكرمة وأنهما أول من استوطناها ، وأن قبيلة قريش تميزت عن باقي العرب بانتسابها إليه u. ولا يجادل أهل الكتاب في حقيقة أن إسماعيل u هو أبو مجموعة كبيرة من القبائل العربية ، ولا أن الرسول صلى اللّـه عليه وسلم كان من أبنائه. وعلى هذا فإن فاران يجب أن تكون مكة، لأن الدليل التاريخي قد جزم
بسكنى إسماعيل في مكة ، والتوراة تسمي موضع سكنه فاران. فوجب أن تكون فاران هي مكة. وقد ورد فيما ذكره المؤرخون المسلمون أن اسم فاران منسوب إلى بعض العمالقة الذين سكنوا بمكة ، وأنه أحد الأسماء التاريخية لمكة([2]).

يقول شموئيل بن يهوذا بن أيوب اليهودي الذي أسلم تعليقاً على هذا النص: ( وفي الإشارة إلى هذه الأماكن الثلاثة التي كانت مقام نبوة هؤلاء الأنبياء للعقلاء أن يبحثوا عن تأويله المؤدي إلى الأمر بإتباع مقالتهم. فأما الدليل الواضح من التوراة على أن جبل فاران هو جبل مكة فهو: إن إسماعيل لما فارق أباه الخليل – عليهما السلام – سكن إسماعيل في برية فاران ونطقت التوراة بذلك: (وأقام في برية فاران وانكحنه أمه امرأة من ارض مصر)(تكوين21: 21) فقد ثبت من التوراة أن جبل فاران سكن لآل إسماعيل . وإذا كانت التوراة قد أشارت في الآية التي تقدم ذكرها إلى نبوة تنزل على جبل فاران لزم أن تلك النبوة على آل إسماعيل لأنهم سكان فاران)([3]).

ويقول كاظم النصيري: ( ومما يجدر ذكره – هنا – أن المؤرخ الأرمني سبيوس Debeos وهو من رجال القرن السابع للميلاد ، من أوائل المؤرخين الذين أشاروا إلى الرسول ، وقد ذكر : أن محمدا صلى اللّـه عليه وآله وسلم كان من ( الإسماعيليين ) ( Lshmaelites ) ، وقد أنذر قومه بالعودة إلى دين آبائهم ( إبراهيم Abraham ) ووعدهم بالفوز )([4]).

وجدير بالذكر إنه قد ورد في المزامير:

(1مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ! 2تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ. قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلهِ الْحَيِّ. 3الْعُصْفُورُ أَيْضًا وَجَدَ بَيْتًا، وَالسُّنُونَةُ عُشًّا لِنَفْسِهَا حَيْثُ تَضَعُ أَفْرَاخَهَا، مَذَابِحَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ، مَلِكِي وَإِلهِي. 4طُوبَى لِلسَّاكِنِينَ فِي بَيْتِكَ، أَبَدًا يُسَبِّحُونَكَ. سِلاَهْ.

5طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. 6عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا. أَيْضًا بِبَرَكَاتٍ يُغَطُّونَ مُورَةَ. 7يَذْهَبُونَ مِنْ قُوَّةٍ إِلَى قُوَّةٍ. يُرَوْنَ قُدَّامَ اللّـه فِي صِهْيَوْنَ )([5]).

وعبارة (وادي البكاء) هي ترجمة لاسم مكان، وحيث إن الأسماء لا تترجم فقد وردت في الترجمات الانكليزية للعهد القديم هكذا:

 THE Valley Of Baca)) أي وادي بكة([6]).

وبكة هي مكة المكرمة، كما ورد في القرآن الكريم:

( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى ورحمة )([7]).

لكن علماء الكتاب المقدس لن يسلموا لنا بأن المقصود من وادي البكاء وادي مكة (بكة)، فقد أحالوا وادي البكاء من اسم جغرافي إلى فكرة تجريدية، لن تستطيع أن تعرف لها مكاناً على الخارطة، فقالوا: (أما وادي البكاء المذكور في المزمور 84: 6 فربما يكون بقعة جغرافية. ولكن يرجح أنه مجرد فكرة تحمل معنى عميقاً، فإن أولئك الذين لهم اختبار طيب مع الرب، بنعمته تتحول المآسي في حياتهم إلى أفراح)([8]).

لكن ترجمات عربية وعالمية تخلصت من اسم (بكا ووادي البكاء)، واستبدلتها بكلمة (وادي البلسان) كما في ترجمة الرهبانية اليسوعية وغيرها، وقد اعتمدوا في ذلك على مخطوطات قديمة، كما يقولون.

يقول الآباء اليسوعيون في نسخة الرهبانية اليسوعية تعليقاً على استخدامهم لفظة (وادي البلسان): (في الترجمات القديمة وفي بعض المخطوطات “وادي البكاء” ، ولفظ الكلمتين واحد)([9]).

ورغم ما يكتنف تغيير اسم (بكا) إلى (البكاء والبلسان) من تحريف متعمد؛ فإن ثمة دلالة واضحة يمكن اقتناصها من كلا الكلمتين: (البكاء والبلسان) اللائي درجت النسخ والتراجم على استعمالهما، فكلاهما يدل على مكة المكرمة دون غيرها. فإن بكّا سميت كذلك نسبة إلى شجر البلسان الذي يخرج منه مادة صمغية تشبه دموع البكاء، وهو شجر ينبت – حسب اعتراف علماء الكتاب المقدس – في مكة المكرمة، يقول كُتاب قاموس الكتاب المقدس عن أشجار البكا: (ربما يقصد به شجر البلسم أو ما يشبهه. ففي بلاد العرب، قرب مكة شجر بهذا الاسم، يشبه شجر البلسم أو البلسان، وله عصارة بيضاء لاسعة، وقد سمى شجر البُكا نسبة لأن تلك الأشجار تنضج بالصموغ، أو نسبة لقطرات الندى التي تقع عليه)([10]).

وتزيدنا دائرة المعارف الكتابية يقيناً بأن وادي البلسان هو وادي مكة المكرمة، فتقول: ( أما البلسان الحقيقي الذي ذكره المؤلفون القدماء فهو (بلسم مكة ) الذي مازالت مصر تستورده من شبه الجزيرة العربية – كما كان الأمر قديماً – وهو عصير الشجرة المعروفة علمياً باسم (Balsamo Dendron Apabatsmum) والتي تنمو في جنوب الجزيرة العربية وفي الحبشة، وهي شجرة صغيرة غير منتظمة الشكل، قشرتها ضاربة إلى الصفرة في لون شجرة الدلب)([11]).

وبربط ما تقدم بمسألة الذبح، نتذكر أولاً مع الدكتور حجازي أنّ أورشليم كانت منطقة مأهولة باليبوسيين ( قبيلة كنعانية) وقت إبراهيم u، ولم تصل إلى أيدي بني إسرائيل إلا بعصر داود u، الأمر الذي يقلل من احتمال أن يُقدم إبراهيم u على مشروع ذبح ابنه بمكان معمور بقلب أورشليم القديمة([12]).

حري بنا الآن أن نستعيد ما ورد في سفر التكوين:

(1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللّـه امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ!. فَقَالَ: هأَنَذَا. 2فَقَالَ: خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ. 3فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبًا لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللّـه. 4وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ الْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ، 5فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلاَمَيْهِ: اجْلِسَا أَنْتُمَا ههُنَا مَعَ الْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجعُ إِلَيْكُمَا. 6فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ابْنِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. 7وَكَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: يَا أَبِي!. فَقَالَ: هأَنَذَا يَا ابْنِي. فَقَالَ: هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟ 8فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: اللّـه يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. 9فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللّـه، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. 10ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. 11فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!. فَقَالَ: هأَنَذَا 12فَقَالَ: لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللّـه، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي. 13فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ. 14فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ يَهْوَهْ يِرْأَهْ. حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ الْيَوْمَ: فِي جَبَلِ الرَّبِّ يُرَى. 15وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ 16وَقَالَ: بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، 17أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، 18وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي. 19ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى غُلاَمَيْهِ، فَقَامُوا وَذَهَبُوا مَعًا إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ. وَسَكَنَ إِبْرَاهِيمُ فِي بِئْرِ سَبْعٍ )([13]).

يقول الدكتور أحمد حجازي: ( مريا جبل في بلاد الشام وهو لم يعين مكاناً مقدساً إلا بعد زمن داود  u  أي بعد إبراهيم بألف عام تقريباً. وقول الكاتب: ( حتى إنه يقال اليوم: في جبل الرب يرى) يدل على أن التوراة محرفة ومكتوبة بعد زمان داود وسليمان – عليهما السلام – لأن جبل الرب الذي هو موضع هيكل سليمان في أورشليم – كما يقول العبرانيون – لم يعين قبلة، ولم يسم بجبل الرب إلا في عهد داود. يقول الدكتور جورج بوست في قاموس الكتاب المقدس: ( مريا: الجبل الذي بنى سليمان عليه الهيكل في أورشليم (أخبار الايام الثاني3: 1 ) وكان في القسم الشرقي من المدينة ويشرف على وادي قدرون ويظن الأكثرون أن موضع الهيكل هو نفس الموضع الذي فيه أمر إبراهيم أن يستعد لتقديم إسحق غير أن التقليد السامري يقول: إن موضع الذبح لإسحق كان على جبل جزريم. وبعض العلماء يوافقونهم على ذلك )([14]).

إذن حتى اليهود مختلفين فيما بينهم في تحديد موقع الذبح، فالسامريون يقولون شيئاً والعبرانيون يقولون غيره.



([1])  الخصال : ص 55 – 56.

([2])   تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام ورسوله محمد (ص): ص260.

([3])  بذل المجهود في افحام اليهود نقلا عن: البشارة بني الإسلام في التوراة والإنجيل ج1 – د. أحمد حجازي السقا ص263.

([4])   أهل البيت(ع) في الكتاب المقدس: كاظم النصيري ص63.

([5]) مزمور:84.

([6]) انظر محمد في الترجوم والتلمود والتوراة : هشام محمد طلبة ص113- 114.

 ([7])آل  عمران: 96.

([8])  انظر: دائرة المعارف الكتابية (2/187)، وقاموس الكتاب المقدس، ص (507).

([9])  وفي قاموس الكتاب المقدس ورد أن “كلمة Baca (بكا) قد تعني بلسان”. انظر:  ص (178).

([10])  قاموس الكتاب المقدس: ص 507، وانظر دائرة المعارف الكتابية 2/187.

([11])  دائرة المعارف الكتابية: 2/189.

([12])   تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام ورسوله محمد (ص): د. نصر اللّـه عبدالرحمن أبو طالب. ص256

([13])   تكوين:22/ 1 -19.

([14])   البشارة بنبي الاسلام في التوراة والانجيل: الدكتور أحمد حجازي ص94.   

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 25/سنة 2 في 11/01/2011 – 6صفر1432هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى