زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينيةعقائد أهل الكتاب

أمة الملكوت القادم بحسب تبشير الكتاب المقدس (نبي أرض فاران القسم الأول )

أمة الملكوت القادم بحسب تبشير الكتاب المقدس(نبي أرض فاران)بينا في مقال بحوث سابقة أن الكتاب المقدس قد بشر بالملكوت القادم، وسنحاول فيما يلي من بحوث استيضاح هذه البشارة وتحديد ما تعنيه من خلال عناوين كثيرة:

نبي أرض فاران

القسم الأول

ورد في سفر التثنية: (هَذِهِ هِيَ الْبَرَكَةُ الَّتِي بَارَكَ بِهَا مُوسَى رَجُلُ اللّـه بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَقْبَلَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ وَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَاعِيرَ وَتَأَلَّقَ فِي جَبَلِ فَارَانَ جَاءَ مُحَاطاً بِعَشَرة آلاف من الرجال القديسين)([1]).

وفي ترجمة أخرى: ( و تلألأ من جبل فاران و أتى من ربوات القدس و عن يمينه نار شريعة لهم ).

هذا النص يضعنا أمام نبوات أو رسالات ثلاثة؛ أولها تشرق في سيناء، والثانية في ساعير، والثالثة في فاران.

وقد سبق ان تحدثنا عن هذا النص فيما تقدم، ما يهمنا الآن هو الحديث عن النبوة الثالثة التي تنطلق من فاران، والنتيجة التي نريد التوصل إليها هي أن المقصود من فاران هو مكة، والنبوة هي نبوة رسول اللّـه محمد بن عبداللّـه.

إن محل النزاع كما هو معلوم يتحدد ببيان المراد من ( فاران ) فهل هي مكة، أم مكان آخر يقع في أرض سيناء ؟

وعلى الرغم من إنني لا أريد استعجال الوصول إلى النتيجة، إلا أنه لا بأس بقول كلمة برجاء أن تكون محفزاً لمزيد من اهتمام القارئ؛ وهي إن النص نفسه يذكر سيناء ثم يذكر ساعير ومن بعدها فاران الأمر الذي يشير بلا شك إلى أن هذه مواضع ثلاثة مختلفة، وأن فاران بالنتيجة ليست في سيناء كما ذهب إليه البعض.

لنتذكر أولاً أن فاران هي البرية التي سكنها إسماعيل وأمه هاجر كما ورد في سفر التكوين:

( 17 فسمع اللّـه صوت الغلام . ونادى ملاك اللّـه هاجر من السماء وقال لها مالك يا هاجر . لا تخافي لأن اللّـه قد سمع لصوت الغلام حيث هو . 18 قومي احملي الغلام وشدي يدك به . لأني سأجعله أمة عظيمة . 19 وفتح اللّـه عينيها فأبصرت بئر ماء . فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام . 20 وكان اللّـه مع الغلام فكبر . وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس . 21 وسكن في برية فاران )([2]).

ولو تحرينا عن الموضع الذي سكنه إسماعيل وذريته بدقة أكبر، لأسعفنا سفر التكوين بالنص التالي: ( وهذه أسماء بني إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم : نبايوت بكر إسماعيل، وقيدار وأدبئيل ومبسام ومشماع ودومة ومسّا وحدار وتيما ويطور ونافيش وقدمة، هؤلاء بنو إسماعيل وهذه أسماؤهم بديارهم وحصونهم اثن عشر رئيسا حسب قبائلهم، وهذه سن حياة إسماعيل مائة وسبع وثلاثون سنة وأسلم روحه ومات وأنضم إلى قومه، وسكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر حينما تجيء نحو آشور )([3]).

ولنتذكر إن هاجر سلكت الطريق المتجهة لشور:

( 7فَوَجَدَهَا مَلاَكُ الرَّبِّ عَلَى عَيْنِ الْمَاءِ فِي الْبَرِّيَّةِ، عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي فِي طَرِيقِ شُورَ )([4]).

إذن منطقة سكن أبناء إسماعيل هي المنطقة الممتدة بين حويلة و شور، وقد حدد النص موضع شور في شمال الجزيرة العربية قبالة مصر، في الطريق بين مصر والعراق ( آشور)، وأمّا حويلة فقد ورد ذكرها في سفر التكوين اسماً لأحد أبناء يقطان ( قحطان ) أبي اليمنيين من العرب: ( ويقطان وَلَد الموداد وشالف وحضرموت ويارح وحادورام وأوزال ودقلة وعوبال وأبيمايل وشبأ وأوفير وحويلة ويوباب، جميع هؤلاء بنو يقطان ، وكان مسكنهم من ميشا حينما تجئ نحو سفار ( صفر)  جبل المشرق)([5]).

ومعلوم أن أسماء سبأ وحضرموت وآزال ( الاسم القديم لمدينة صنعاء ، والذي مازال مشهوراً ومتداولاً حـتى الآن بمدينة صنعاء) وصليف ( شالف ) ودقـلة وجباب ( جبوب منطقة بـ(إب) ضمن منطقة ذي السفال في اليمن) وصفار ( صافر موقع استخراج للبترول حالياً ) وأوبال (منطقة على طريق صنعاء – الحديدة، 80ا كم صنعاء، من بعد الحيمة ) وجيرة ( قرية بحجة باليمن ) وحظور ( منطقة جنوب صنعاء بحوالي 22كم) وغيرها كلها أسماء لمواضع معروفة باليمن حتى الوقت الحاضر. إذن حويلة لا بد أن تكون واقعة في بلاد اليمن حيث أقام القحطانيون (اليقطانيون) والواقع أن موضعها لازال موجوداً حتى الوقت الحاضر، وبهذا الاسم في منطقة ضمن منطقة الحيمة الداخلية. وهذا في الواقع ما يعرفه المطلعون، فقد جاء في معجم الكتاب المقدس ويكليف Wyclieffe Bible Dictionary  : أن معظم الباحثين most authorities  يقررون أن حويلة بوسط العربية بشمال اليمن، وذلك لارتباط ذكرها مع حضرموت وسبأ  وأجزاء من جنوب العربية في سفر التكوين: ( 26 ويقطان ولد ألموداد وشالف وحضرموت ويارح 27 وهلورام وأوزال ودقلة 28 وعويال وأبيمايل وشبا 29 وأوفير وحويلة ويوباب . جميع  هؤلاء بنو يقطان )([6]) ([7]).

إذن تكون منطقة انتشار أبناء إسماعيل طبـقاً للعهد القديم هي المنطـقة الممتدة بين اليمن (حيث تقع حويلة )، أو من شمال عسير التي هي امتداد لمناطق القحطانين باليمن إلى جنوب الأردن (حيث يغلب وجود شور كما يفهم من النص أعلاه ).

وعليه تكون فاران واقعة ضمن المنطقة التي كانت وما تزال تدعى منطقة الحجاز، ومركز هذه المنطقة هي مدينة مكة كما هو معلوم([8]).

وورد في قاموس الكتاب المقدس: ( حويلة : اسم سامي معناه ( رملية ) قارن العبرية ، حول ( رمل ) . ( 1 ) رجل من بني كوش ( تك 10 : 7 ) . ( 2 ) رجل من بني يقطان ( تك 10 : 29 ) . ( 3 ) مقاطعة في بلاد العرب ، يسكن بعضها الكوشيون ويسكن البعض الآخر اليقطانيون ، وهم شعب سامي ( تكوين 10 : 7 و 29 و 1 أخبار 1 : 9 و 23 ) . والصلة بين حويلة وحضرموت وأماكن أخرى تشير إلى موقع في وسط البلاد العربية أو جنوبها . وفي حويلة نهر قيشون ، والمنطقة غنية بالذهب والمقل – وهو صمغ عطري طبي ، والأحجار الكريمة ( تكوين 2 : 11 و 12 ) . ويفضل البعض أن يحققها بمنطقة خولان ، في القسم الغربي من بلاد العرب شمالي اليمن . ولا يعرف إلى أي حد كانت تمتد الحويلة شمالا ، ومن قصة محاربة شاول مع العمالقة قد نستنتج أن قسما من الصحراء العربية ، يمتد عدة مئات الأميال شمال اليمامة ويحمل اسم حويلة ( 1 صموئيل 15 : 7 وقارن تكوين 25 : 18 ) )([9]).

وجاء في دائرة معارف زندرفان الأمريكية للكتاب المقدس أنَّ معظم المخطوطات القديمة تضع موقع حويلة في الجزء الغربي من شبه الجزيرة العربية شمالي اليمن ([10]).

ويقول صاحب كتاب نبي ارض الجنوب: ( أذكر هنا لمن أراد البحث والتنقيب ورائي أنَّ هناك نسخا عربية قديمة قد جاءت فيها الكلمات العربية صريحة ، منها على سبيل المثال نسخة سعادية وهى التي قام بترجمتها إلى العربية الحبر اليهودي المصري الفيومي سعادية بن يوسف ( 892 ـ 942 م ) الموافق ( 269 ـ 331 هـ ) والتي كانت الترجمة القياسية لكل يهود الأقطار العربية كما قالت دائرة المعارف البريطانية . هذه النسخة طبعت لأول مرة بحروف عبرية فى باريس سنة 1893 م ثم في القدس في سنة 1901 م .

تقول كلا الموسوعتين اليهودية والبريطانية أنَّ هذه النسخة العربية سعادية قد جاءت فيها الأسماء العربية بدلا من العبرية مثل : مَكة قبال مسَّا . وبلاد القِبلة قبال أرض الجنوب ( هـ نجب ) . والحجاز قبالة شور و … الخ .

وهذا مما تميزت به ترجمة سعادية دون سواها من الترجمات اللاحقة  .. نقلا عن الموسوعة البريطانية :

  (Enc . Brit . mic .vol v11 pp 743 ( saadia ben josef  )([11]).

ورد في سفر التكوين: ( لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات . الفينيقيين و القتريين و القدمونيين و الحيثيين و الفرزيين و الرفائيين و الأموريين و الكنعانيين و الجرجاثيين و اليبوسيين)([12]). وهذه الأرض لم يمتلكها بنو إسرائيل من نسل إسحاق في أي يوم من الأيام. وإنما امتلكها العرب من نسل إسماعيل.   

ومن المعلوم الذي لا يُنكر في التاريخ أن الرسول صلى اللّـه عليه وآله وسلم يعود بنسبه إلى جدّه إسماعيل u.



([1])   التثنية:1-33.

([2])   التكوين:21.

([3])  التكوين:25/ 12-18.

[4]  – تكوين: 16.

[5]  – التكوين10: 26

([6])  التكوين:10.

([7])  – تباشير التوراة والإنجيل بالإسلام ورسوله محمد (ص): د.نصر اللّـه عبدالرحمن أبو طالب .ص361.

([8])  انظر: تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام ورسوله محمد (ص). د.نصر اللّـه عبدالرحمن أبو طالب.ص261وما بعدها.

([9])   قاموس الكتاب المقدس: مجمع الكنائس الشرقية  ص 329 – 330

([10])   نبي ارض الجنوب: جمال الدين شرقاوي ص73.

([11])  نفسه: ص109.

([12])   التكوين:15/ 18 ـ 19.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد24 /سنة 2 في 04/01/2011 – 29 محرم1432هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى