زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينيةعقائد أهل الكتاب

أمة الملكوت القادم بحسب تبشير الكتاب المقدس (العهد والبركة لإسماعيل القسم الثاني )

أمة الملكوت القادم بحسب تبشير الكتاب المقدسبينا في مقال بحوث سابقة أن الكتاب المقدس قد بشر بالملكوت القادم، وسنحاول فيما يلي من بحوث استيضاح هذه البشارة وتحديد ما تعنيه من خلال عناوين كثيرة:

العهد والبركة لإسماعيل

القسم الثاني

إن البركة كما يدل النص الآتي سببها، أو أحد أهم أسبابها على الأقل هو استجابة إبراهيم لأمر اللّـه بذبح ولده الوحيد، ونجاحه في هذا الامتحان الإلهي الصعب: (1 وحدث بعد هذه الأمور أن اللّـه امتحن إبراهيم . فقال له يا إبراهيم . فقال هأنذا . 2 فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك . 3 فبكر إبراهيم صباحا وشد على حماره وأخذ اثنين من غلمانه معه وإسحق ابنه وشقق حطبا لمحرقة وقام وذهب إلى الموضع الذي قال له اللّـه . 4 وفي اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد . 5 فقال إبراهيم لغلاميه اجلسا أنتما ههنا مع الحمار . وأما أنا والغلام فنذهب إلى هناك ونسجد ثم نرجع إليكما . 6 فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه على إسحق ابنه وأخذ بيده النار والسكين . فذهبا كلاهما معا . 7 وكلم إسحق إبراهيم أباه وقال يا أبي . فقال هأنذا يا ابني . فقال هو ذا النار والحطب ولكن أين الخروف للمحرقة . 8 فقال إبراهيم اللّـه يرى له الخروف للمحرقة يا ابني . فذهبا كلاهما معا 9 فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له اللّـه بنى هناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب وربط إسحق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب . 10 ثم مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه . 11 فناداه ملاك الرب من السماء وقال إبراهيم إبراهيم . فقال هأنذا . 12 فقال لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا . لأني الآن علمت أنك خائف اللّـه فلم تمسك ابنك وحيدك عني . 13 فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا في الغابة بقرينة . فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه . 14 فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع يهوه يراه . حتى إنه يقال اليوم في جبل الرب يرى 15 ونادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء 16 وقال بذاتي أقسمت يقول الرب إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك 17 أباركك مباركة و أكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر . ويرث نسلك باب أعدائه . 18 ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض . من أجل أنك سمعت لقولي )([1]).

ولكن هنا اختلاف معروف في شخص الذبيح بين المسلمين من جهة، واليهود والمسيحيين تبعاً لهم من جهة أخرى، فالمسلمون يقولون أن الذبيح هو إسماعيل، بينما يقول الآخرون إنه إسحق.

والحقيقة إنه، على الرغم من أن النص أعلاه أقحم اسم إسحق، إلا أن ثمة دلائل قوية تؤكد ما يقوله المسلمون، منها أن إسحق لا يصدق عليه أنه الابن الوحيد لإبراهيم، لأن إسماعيل ولد قبله، فهو الابن البكر، ومنها إن من عادة اليهود أن يقدموا في قرابينهم البكور من كل إنسان أو بهيمة؛ (1 وكلم الرب موسى قائلا . 2 قدس لي كل بكر كل فاتح رحم من بني إسرائيل من الناس ومن البهائم . إنه لي )([2]).

والبكورية لا يسقطها كون البكر من امرأة مكروهة، فقد ورد في سفر التثنية: ( 15 إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة. فإن كان الابن البكر للمكروهة 16 فيوم يقسم لبنيه ما كان له لا يحل له أن يقدم ابن المحبوبة بكرا على ابن المكروهة البكر 17 بل يعرف ابن المكروهة بكرا ليعطيه نصيب اثنين من كل ما يوجد عنده لأنه هو أول قدرته له حق البكورية )([3]).

ومنها إن اللّـه قد بشر إبراهيمu بتكثير نسل إسحق، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يقول أن الامتحان بذبحه كما يزعم اليهود والمسيحيون يمثل اختباراً حقيقياً، فقد ورد في سفر التكوين: ( فقال اللّـه بل سارة امرأتك تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحق . وأقيم عهدي معه عهدا أبديا لنسله من بعده )([4]).

فإسحق بحسب هذا النص سيعيش ويكون له نسل، فأين الامتحان إذا كان هو الذبيح؟ أما ورد بحق إسماعيل في ( تكوين:17 ) من وعد بتكثير نسله، فهو لاحق للامتحان الإلهي، الذي لا شك في أنه – أي الامتحان – قد سبق ولادة إسحق.

بقي أن النص الأخير يصف العهد لإسحاق بأنه عهد أبدي، فهل يقتضي ذلك أن لا يكون لإسماعيل نصيب من العهد ؟

إن قراءة في سفر الأيام تدلنا على أن كلمة ( أبد ) تعني المدة الطويلة أيضاً: (وقال لي: إن سليمان ابنك، هو يبني بيتي ودياري، لأني اخترته لي ابناً، وأنا أكون له أباً، وأثبت مملكته إلى الأبد)([5]).

وقد انتهت هذه المملكة ولم تبق إلى الأبد.

وفي سفر التثنية ما يدل على أن الأبد مدة محدودة ( عشرة أجيال ): (لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر، لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد، من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء)([6]).

بل ربما أقل من هذا كما في قول دانيال لنبوخذ نصر: (فتكلم دانيال مع الملك: يا أيها الملك عش إلى الأبد)([7]).

والحق إنه لا تعارض في كون العهد أبدياً في ذرية إسحق وكونه في ذرية إسماعيل أيضاً. فالعهد وإن كان أبدياً في ذرية إسحق إلا إن ذلك لا يمنع من انقطاعه فترة من الزمن تطول أو تقصر لينتقل إلى ذرية إسماعيل، ثم يعود ليلتقي العهدان في المنقذ وذريته التي ستكون نقطة التقاء الفرع الإسماعيلي والإسحاقي، كما سنعلم لاحقاً.

والواقع إن المسيحيين يعترفون بحصول بركة لإسماعيل ولكنهم يقولون إنها مختصة بأن يكون في ذريته ملوك لا أنبياء.

وكلامهم هذا فيه مغالطة يمكن بيانها من خلال النقاط التالية:

1- إن البركة التي نالها إسماعيل هي نفسها التي نالها إسحق، فلماذا تكون هنا نبوة وهناك لا تكون؟

2- لا يسع أحد أن يقول إن البشرى يمكن أن تكون بأناس غير صالحين. ومن الواضح أن الملوك إذا لم يكونوا منصبين من اللّـه تعالى، ولم يكن شرع إلهي ينتظم حركتهم يكونوا من الطواغيت، فأي بشرى بمثل هؤلاء الناس؟

3- إن وجود ملوك أو رؤساء في قوم من الأقوام مسألة تقتضيها طبيعة النظام الاجتماعي، فكل قوم لابد أن يسودهم ملوك أو رؤساء وبنو إسماعيل ليسوا استثناء، فإن لم يكن هؤلاء الملوك ممن نصبهم اللّـه كانوا من الطواغيت الذين يسودون أقوامهم بطرق شتى.

يقول عبدالأحد داود: ( ان العهد كان بين اللّـه وبين إبراهيم وإسماعيل قبل ولادة اسحق ولولا تكرار الوعد ( من خلال ذريتك سوف تتبارك كل الأمم على وجه الأرض) بصيغ مختلفة وأيضاً (ذلك الذي سوف يخرج من أحشائك سوف يرثك) وتحقق هذا الوعد بولادة إسماعيل (سفر التكوين16) مما كان عزاء لإبراهيم لان كبير الخدم أليعازر لم يعد وريثه ، لولا كل ذلك لكان العهد وتشريع الختان غير ذي معنى ولا قيمة ولذلك وجب أن نعترف بان إسماعيل كان الوارث الحقيقي والشرعي لامتيازات ومكانة أبيه الروحية وان هذا الإرث الذي استحقه إسماعيل وذريته لكونه الابن الأكبر لم يكن خيمة والده ولا مواشيه وإنما كان إخضاع كل الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات وسكانها إلى الأبد (سفر التكوين15: 18، 17: 20) وبالفعل فان تلك البلاد لم تخضع قط لذرية إسحاق ولكنها خضعت لذرية إسماعيل مما يعتبر تحققا حرفيا وفعليا لأحد نقاط العهد )([8]).

4- إن أبناء إبراهيم من زوجته قنطورا لم يكونوا مشمولين بالعهد ومع ذلك كان منهم ملوك، فتحديد بركة إسماعيل والعهد به على أن المراد منه أن يكون في ذريته ملوك يراد منه إذن تجريد إسماعيل من هذه البركة والعهد كما لا يخفى.

5- أطلقت البشرى وصف الأمة العظيمة على ذرية إسماعيل، ومثل هذا الوصف الإلهي لا يمكن أن يحظى به غير الصالحين. والصلاح يقتضي وجود نبوة وشرع ينظم حياتهم.

6- كان الختان هو علامة العهد وقد ختن إبراهيم ابنه إسماعيل قبل إن يولد إسحق على ما يظهر من النص التالي:

(فتختنون في لحم غرلتكم . فيكون علامة عهدي بيني وبينكم )([9]). وختن إبراهيم وإسماعيل قبل ولادة اسحق: ( فلما فرغ من الكلام… في ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم وإسماعيل ابنه)([10]).

7 – إن عدم شمول إسماعيل بالعهد يعني إن اللّـه سبحانه وتعالى وحاشاه من قول السوء، يكون قد خدع إبراهيم مدة أربعة عشر عاماً هي الفترة الفاصلة بين ولادة إسماعيل وولادة أخيه إسحق، وهو أمر مستهجن ولا يمكن لمؤمن أبداً أن يظن باللّـه مثل هذا الظن السيئ، ويزداد الأمر استهجاناً إذا علمنا أن إبراهيم لم يكن يتوقع أن يُرزق بمولود من سارة، بحسب التوراة طبعاً.

8 – قد يقال إن سارة رغبت بطرد هاجر من أجل أن لا يرث مع ابنها، وإن إبراهيم قد امتثل لرغبتها كما ورد في سفر التكوين: (9وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ، 10فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ. 11فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. 12فَقَالَ اللّـه لإِبْرَاهِيمَ: لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. 13وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ.

14فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَأَخَذَ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ، وَاضِعًا إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا، وَالْوَلَدَ، وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ. 15وَلَمَّا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الْوَلَدَ تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ، 16وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيدًا نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ، لأَنَّهَا قَالَتْ: لاَ أَنْظُرُ مَوْتَ الْوَلَدِ. فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ. 17فَسَمِعَ اللّـه صَوْتَ الْغُلاَمِ، وَنَادَى مَلاَكُ اللّـه هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي، لأَنَّ اللّـه قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ. 18قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ، لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً)([11]).

هذا الكلام لا يستقيم لأمور منها؛ إن المشيئة الإلهية لا تنتقض بغيرة النساء! ومنها إن إبراهيم لم يرتضِ كلام سارة، ولا يوجد في النص ما يدل على أن إبعاد هاجر عن سارة كان تلبية لمطلب سارة المتعلق بالإرث، بل ربما كان بسبب وضع حد لنزاع متوقع بين الضرتين لا أكثر. أيضاً من الممكن أن تكون سارة – وهي المؤمنة – قد عنت من كلامها الإرث المادي لا الروحي. كما إن في النص ذاته تجديد لعهد إسماعيل.

9 – وردت نصوص كثيرة تدل على أن ذرية إسماعيل سيخرج منهم نبي، سيأتي الحديث عنها لاحقاً، ولكن نكتفي الآن بهذا النص: (10غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا الْمُنْحَدِرُونَ فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، 11لِتَرْفَعِ الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. 12لِيُعْطُوا الرَّبَّ مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ. 13الرَّبُّ كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ )([12]).

ومعلوم إن قيدار من أبناء إسماعيلu، والتسبيحة سواء كانت تدل على الأذان الذي يرفعه المسلمون إيذاناً بوقت الصلاة، أو كانت تدل على شريعة، فهي تدل بالنتيجة على شمولية أبناء إسماعيل بالعهد.

وقد قص القرآن الكريم حال إبراهيم منذ أن كان في بلاد الرافدين، وتبشيره بإسماعيل وقضية الذبح بقوله تعالى:

 (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللّـه تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللّـه خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ * وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ* فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللّـه مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ *وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ )([13])

وورد في بيان من هو الذبيح في كتاب معاني الأخبار:

( حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ، قال : حدثنا عبد اللّـه بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقي قال : قلت لأبي عبد اللّـه u : أيهما كان أكبر ، إسماعيل أو إسحاق ؟ وأيهما كان الذبيح ؟ فقال : كان إسماعيل أكبر من إسحاق بخمس سنين ، وكان الذبيح إسماعيل ، وكانت مكة منزل إسماعيل ، وإنما أراد إبراهيم أن يذبح إسماعيل أيام الموسم بمنى . قال : وكان بين بشارة اللّـه لإبراهيم بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق خمس سنين ، أما تسمع لقول إبراهيم u حيث يقول : ( رب هب لي من الصالحين ) إنما سأل اللّـه عز وجل أن يرزقه غلاما من الصالحين ، وقال في سورة الصافات : ( فبشرناه بغلام حليم ) يعني إسماعيل من هاجر ، فقال : ففدي إسماعيل بكبش عظيم . فقال أبو عبد اللّـه u : ثم قال : ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين * وباركنا عليه وعلى إسحاق ) يعني بذلك إسماعيل قبل البشارة بإسحاق فمن زعم أن إسحاق أكبر من إسماعيل وأن الذبيح إسحاق فقد كذب بما أنزل اللّـه عز وجل في القرآن من نبائهما )([14]).

وورد في بحار الأنوار:

( وروى العياشي بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي قال : قلت لأبي عبد اللّـه u : كم كان بين بشارة إبراهيم بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق ؟ قال : كان بين البشارتين خمس سنين ، قال اللّـه سبحانه : ( فبشرناه بغلام حليم ) يعني إسماعيل ، وهي أول بشارة بشر اللّـه بها إبراهيم في الولد ، ولما ولد لإبراهيم إسحاق من سارة وبلغ إسحاق ثلاث سنين أقبل إسماعيل إلى إسحاق وهو في حجر إبراهيم فنحاه وجلس في مجلسه فبصرت به سارة فقالت : يا إبراهيم ينحي ابن هاجر ابني من حجرك ويجلس هو مكانه ! لا واللّـه لا يجاورني هاجر وابنها في بلاد أبدا ، فنحهما عني ، وكان إبراهيم مكرما لسارة يعزها ويعرف حقها ، وذلك أنها كانت من ولد الأنبياء وبنت خالته ، فشق ذلك على إبراهيم واغتم لفراق إسماعيل ، فلما كان في الليل أتى إبراهيم آت من ربه فأراه الرؤيا في ذبح ابنه إسماعيل بموسم مكة ، فأصبح إبراهيم حزينا للرؤيا التي رآها ، فلما حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم هاجر وإسماعيل في ذي الحجة من أرض الشام فانطلق بهما إلى مكة ليذبحه في الموسم فبدأ بقواعد البيت الحرام ، فلما رفع قواعده وخرج إلى منى حاجا وقضى نسكه بمنى رجع إلى مكة فطافا بالبيت أسبوعا ثم انطلق إلى السعي ، فلما صارا في المسعى قال إبراهيم لإسماعيل : يا نبي إني أرى في المنام أني أذبحك في الموسم عامي هذا ، فماذا ترى ؟ قال : يا أبت افعل ما تؤمر ، فلما فرغا من سعيهما انطلق به إبراهيم إلى منى وذلك يوم النحر ، فلما انتهى به إلى الجمرة الوسطى وأضجعه لجنبه ‹ صفحة 137 › الأيسر وأخذ السكين ليذبحه نودي : ( أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ) إلى آخره ، و فدي إسماعيل بكبش عظيم فذبحه وتصدق بلحمه على المساكين)([15]).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 21/سنة 2 في 14/12/2010 – 8 محرم1432هـ ق)


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى