زاوية الأبحاثزاوية العقائد الدينيةعقائد الشيعة

الشيعة … وفتنة الواقفية الحلقة الثالثة

الشيعة ... وفتنة الواقفية الحلقة الثالقةكانت حلقتنا السابقة تتحدث عن ذرائع الواقفة الواهية التي تمسكوا بها لإضلال الناس وتفريقهم عن أئمة الحق، وقلنا أنهم تمسكوا بذريعتين اساسيتين وهما:

أولاً: أنهم وقفوا على الإمام الكاظم (ع) وقالوا انه هو قائم آل محمد ع، وهم بذلك أنكروا وصيه والإمام من بعده وهو الإمام الرضا (ع).

ثانياً: أنهم اتهموا الإمام الرضا بأنه “أبتر” ولا ولد له.

وتكلمنا أيضاً، عن استباق أئمة أهل البيت (ع) لحادثة الواقفة قبل نشؤها، حيث بينوا بأحاديث لهم كثيرة بأن هذه الفتنة سوف تحص وعلى الناس الانتباه لهذا الامر والثبات على أمر آل محمد (ع) والتمسك بالإمام من بعد الإمام وعدم التفريط باللحوق بإمام العصر وتركه والأنحراف مع علماء السوء واتباع زلاتهم. علماً، بأن أهل البيت (ع) قد ربطوا فتنة الواقفة في زمن الإمام الرضا (ع) بالواقفة التي سيحدثون نفس الفتنة في زمن ظهور الإمام المهدي (ع) حين ظهور أمره وبيان دعوته، فالناس في ذلك الزمان أيضاً سيقعون في نفس الحفرة التي سقط فيها من كان قبلهم، وهي حفرة علماء الظلالة الذين يوهمون الناس بالشبهات ويصورون لهم الحق بأنه باطل، والباطل حق.

اما في هذه الحلقة فسوف نحاول أن نوضح كيفية تعامل الإمام الرضا (ع) مع فتنة الواقفة، وكيف بين الإمام (ع) المخرج للناس من هذه الفتنة ووضح لهم طريق الهداية. فقد عمد الامام الرضا ع إلى اتباع أكثر من سبيل لدرء هذه الفتنة والتصدي لرؤساءها وفضحهم وفضح باطلهم أمام الناس، حيث نرى الامام الرضا ع قد حلورهم وألزمهم الحجة، حيث ورد:

1. عن منصور بن العباس البغدادي، أنه قال: حدثنا إسماعيل بن سهل، قال: حدثني بعض أصحابنا، وسألني أن أكتم اسمه، قال: كنت عند الإمام الرضا (عليه السلام)، فدخل عليه علي بن أبي حمزة، وابن السراج، وابن المكاري، فقال له ابن أبي حمزة: ما فعل أبوك؟ قال: مضى موتا. فقال له: إلى من عهد بعده؟ فقال: عهد إلي. فقال له: فأنت إمام مفترض الطاعة من الله؟ قال: نعم. قال ابن السراج وابن المكاري: قد والله أمكنك من نفسه. قال: ويلك وبم أمكنته! أتريد أن آتي بغداد، وأقول لهارون: أنا إمام مفترض الطاعة؟ والله ما ذلك علي، وإنما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم، وتشتت أمركم، لئلا يصير سركم في يد عدوكم. فقال له ابن أبي حمزة: لقد أظهرت شيئا ما كان يظهره أحد من آبائك، ولا يتكلم به، قال: بلى، لقد تكلم خير آبائي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين، فلقد جمع من أهل بيته أربعين رجلا، وقال لهم:  أنا رسول الله إليكم، فكان أشدهم تكذيبا له وتأليبا عليه عمه أبو لهب، فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن خدشني خدش فلست بنبي، فهذا أول ما أبدع لكم من آيات النبوة، وأنا أقول: إن خدشني هارون خدشا فلست بإمام، فهذا ما أبدع لكم من آية الإمامة. ثم قال له علي بن أبي حمزة: إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله. فقال له أبو الحسن الرضا: أخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) كان إماما أم لا؟ فقال: لقد كان إماما، فقال له الرضا: فمن ولي أمره؟ قال: ولده علي ابن الحسين. قال: لقد كان علي بن الحسين أسيرا في يد عبيد الله بن زياد في الكوفة، فخرج وهم لا يعلمون إلى كربلاء حتى ولي أمر أبيه ورجع. فقال له أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إن الذي أمكن علي بن الحسين (عليه السلام) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه، يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد ليلي أمر أبيه، وهو ليس في حبس ولا أسر. وروى نحوه الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا (عليه السلام)) عن أبي مسروق.

2. وعن صفوان بن يحيى، عن أبي جرير القمي، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثم إليك، ثم حلفت له: وحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحق فلان وفلان حتى انتهيت إليه بأنه لا يخرج مني ما تخبرني به إلى أحد من الناس، وسألته عن أبيه، أحي هو أو ميت؟ فقال (عليه السلام): قد والله مات. فقلت: جعلت فداك، إن شيعتك يروون: أن فيه سنة أربعة أنبياء؟ قال (عليه السلام): قد – والله الذي لا إله إلا هو – هلك. قلت: هلاك غيبة، أو هلاك موت؟ قال: هلاك موت. فقلت: لعلك مني في تقية؟ فقال: سبحان الله! قلت: فأوصى إليك؟ قال: نعم. قلت: فأشرك معك فيها أحدا؟ قال (عليه السلام): لا. قلت: فعليك من إخوتك إمام؟ قال: لا. قلت: فأنت الإمام؟ قال: نعم.

 

الإمام الرضا (ع) ينص على نفسه

ورد عن الإمام الرضا (ع) أنه نص على نفسه بالإمامة من بعد أبيه (ع)، فكانت إشارته إلى نفسه دليلاً أستدل بها العلماء والمحدثون ممن كتب في سيرة أهل بيت العصمة (ع).

1- روى ابن بابويه بالإسناد عن العباس بن النجاشي الأسدي، قال: قلت للرضا (ع): أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: (إي والله، على الإنس والجن). (الإمامة والتبصرة: 77/67، البحار 49: 106، عيون أخبار الرضا (ع) 1: 26 /10).

2 – روى الشيخ الكليني بالإسناد عن أبي جرير القمي – في حديث – قال: قلت لأبي الحسن (ع): عليك من إخوتك إمام؟ قال: لا. قلت: فأنت الإمام؟ قال: نعم. (الكافي 1: 380 / 1، العوالم 22: 62 / 1).

3 – وروى الشيخ الطوسي بالإسناد عن الحسن بن علي الخزاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا (ع) فقال له: أنت إمام؟ قال: نعم. (غيبة الطوسي: 134، البحار 25: 251 / 5، العوالم 22: 62 / 2).

4 – وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن عقبة بن جعفر، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (ع): قد بلغت وليس لك ولد ! فقال: يا عقبة بن جعفر، إن صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى ولده من بعده.

5 – وروى صاحب ثاقب المناقب بالإسناد عن محمد بن العلاء الجرجاني، قال: حججت فرأيت علي بن موسى الرضا (ع) يطوف بالبيت، فقلت له: جعلت فداك، هذا الحديث قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): “من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية “، قال: فقال: نعم، حدثني أبي، عن جدي، عن الحسين، عن علي بن أبي طالب (ع) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية… قال: فقلت له: ومن مات ميتة جاهلية؟ قال: مشرك. قال: قلت: فمن إمام زماننا، فإني لا أعرفه؟ قال: أنا هو. (الثاقب في المناقب: 495 / 424).

الرؤيا الصادقة … والاستخارة بالقرآن الكريم

كانت الرؤيا الصادقة من الأمور التي أعتبرها شيعة أهل البيت (ع) دليلاً ملكوتياً في إثبات إمامة الإمام الرضا (ع) وكذلك الاستخارة بالقرآن الكريم. فالرؤيا الصادقة كانت بفضل الله تبارك وتعالى سبباً في إنقاذ (رجل واقفي) من الهلاك والتردي في حبائل علماء الضلالة وانحرافهم.

فعن الحسن بن علي الوشاء -وقد رجع عن القول بالوقف بسبب إخبار غيبي أخبره به الإمام الرضا (ع)-، قال: (كنا عند رجل بمرو، وكان معنا رجل واقفي، فقلت له:اتق الله، قد كنت مثلك، ثم نور الله قلبي، فصم الأربعاء والخميس والجمعة، واغتسل وصل ركعتين، وسل الله أن يريك في منامك ما تستدل به على هذا الأمر. فرجعت إلى البيت، وقد سبقني كتاب أبي الحسن يأمرني فيه أن أدعو إلى هذا الأمر ذلك الرجل، فانطلقت إليه، وأخبرته، وقلت:أحمد الله وأستخره مائة مرة. وقلت له:إني وجدت كتاب أبي الحسن قد سبقني إلى الدار، أن أقول لك ما كنا فيه، وإني لأرجو أن ينور الله قلبك، فافعل ما قلت لك من الصوم والدعاء، فأتاني يوم السبت في السحر. فقال لي:أشهد أنه الإمام المفترض الطاعة. قلت:وكيف ذلك؟فقال:أتاني أبو الحسن (ع) البارحة في النوم، فقال:يا إبراهيم، والله لترجعن إلى الحق، وزعم أنه لم يطلع عليه إلا الله) (الخرائج والجرائح1/366، الحديث23. بحار الأنوار49/53، الحديث6، العوالم22/104، الحديث68).

وكان أيضاً من بين الامور التي جعلت الناس ترج الى الامام الرضا ع هو علمه (ع) الذي شاع وملأ الآفاق، فقد روي عن الحسن بن محمد النوفلي أنه قال: لما قدم علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه على المأمون، أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات، مثل: الجاثليق، ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين، والهربذ الأكبر، وأصحاب زردشت ونسطاس الرومي، والمتكلمين، ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال: أدخلهم علي ففعل، فرحب بهم المأمون ثم قال لهم: إنما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي، فإذا كان بكرة فاغدوا علي ولا يتخلف منكم أحد. فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين، نحن مبكرون إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم – وكان يتولى أمر أبي الحسن – عليه السلام – فقال: يا سيدي أن أمير المؤمنين يقرؤك السلام ويقول: فداك أخوك، أنه اجتمع إلينا أصحاب المقالات، وأهل الأديان، والمتكلمون من جميع أهل الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم، وإن كرهت ذلك فلا تتجشم، وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا. فقال أبو الحسن عليه السلام: أبلغه السلام وقل: قد علمت ما أردت، وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما مضى ياسر التفت إلينا ثم قال لي: يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة، فما عندك في جمع ابن عمي علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان، ويحب أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان، وبئس والله ما بنى. فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب الكلام والبدع خلاف العلماء، وذلك: أن العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة إن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحح وحدانيته، وإن قلت: أن محمدا صلى الله عليه وآله رسول، قالوا: ثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل – وهو مبطل عليهم بحجته – ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت فداك ! قال: فتبسم ثم قال لي: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا علي حجتي؟ ! قلت: لا. والله ما خفته عليك قط، وأني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله. فقال لي: يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم. قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزبور بزبورهم، وعلى الصابئين بعبرانيتهم، وعلى الهرابذة بفارسيتهم، وعلى أهل الروم بروميتهم، وعلى أهل المقالات بلغاتهم، فإذا قطعت كل صنف، ودحضت حجته، وترك مقالته، ورجع إلى قولي، علم المأمون أن الذي هو بسبيله ليس بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (الأحتجاج للطبرسي–ص199).

كتاب للرضا (ع) يفضح فيه الواقفة (في كل زمان)

وعن عبد الله بن جندب، قال: كتب إلي أبو الحسن الرضا (ع): (ذكرت رحمك الله هؤلاء القوم الذين وصفت، أنهم كانوا بالأمس لكم إخوانا، والذي صاروا إليه من الخلاف لكم، والعداوة لكم، والبراءة منكم، والذين تأفكوا به من حياة أبي صلوات الله عليه… (وذكر في آخر الكتاب): إن هؤلاء الأقوام سنح لهم الشيطان اغترهم بالشبهة، ولبس عليهم أمر دينهم، وذلك لما ظهرت فريتهم، واتفقت كلمتهم، وكذبوا على عالمهم، وأرادوا الهدى من تلقاء أنفسهم، فقالوا: لم ومن وكيف؟ فأتاهم الهلاك من مأمن احتياطهم، وذلك بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام للعبيد، ولم يكن ذلك لهم ولا عليهم، بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحير، ورد ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه، لأن الله يقول في محكم كتابه: ((لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) (النساء: 83) يعني آل محمد، وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام، وهم الحجة لله على خلقه)(تفسير العياشي 1: 26 / 206).

وبهذا، فقد بينا في هذه المقالات وعلى عجالة، حقيقة فتنة الواقفة في زمن الإمام الرضا (ع) وعلاقتها بأهل آخر الزمان وكيف سيعيدون وقوف آباءهم مع الامام الرضا ع، ولكن هذه المرة سوف قف الأبناء على الامام المهدي ع وسينكرون وصيه والامام من بعده.

والحمد لله وحده وحده وحده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(صحيفة الصراط المستقيم/عدد 29/سنة 2 في 08/02/2011 – 4ربيع الاول 1432هـ ق)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى