زاوية الدعوة اليمانيةزاوية العقائد الدينيةعقائد الشيعةغير مصنف

الأصول الرجالية في الميزان / القسم الأول

قبل الخوض في مناقشة الأصول الرجالية وغربلتها، لابد ان اشير الى بعض النقاط، التي ينبغي ان تحرر قبل القول في حجية علم الرجال في قبول الروايات أو ردها:
النقطة الأولى:
لابد من احراز الاذن الشرعي في حجية هذا المنهج، أي ان يكون مرخصا به من قبل الشارع المقدس ( القران والعترة ) ، اي ان تكون هناك روايات صريحة مثلا، تحصر قبول الروايات بما نقله الثقاة فقط، ورد ما نقله المذمومون او المجهولون، وهذا دون اثباته خرط القتاد، بل هناك روايات بعكس هذا المنهج يطول المقام بذكرها.

النقطة الثانية:
ان يتم اثبات ان الرواة المذمومين او المجهولين، لا يصدقون في نقلهم ، وهذا ايضا دون اثباته خرط القتاد، وترده كثير من الروايات، وكذلك العقل يحكم بأن الكاذب ممكن ان يصدق وان الفاسق والمنحرف قد يكون ثقة في النقل … الخ. وكذلك هناك اقوال لبعض العلماء اذكر فقط كلام المحقق الحلي صاحب كتاب شرائع الاسلام:

(أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا إلى كل خبر وما فطنوا إلى ما تحته من التناقض، فإن من جملة الأخبار قول النبي ( صلى الله عليه وآله ): ” ستكثر بعدي القالة علي ” وقول الصادق ( عليه السلام ): ” إن لكل رجل منا رجلاً يكذب عليه ” واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال كل السند يعمل به. وما علم أن الكاذب قد يصدق، وما تنبه أن ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب، إذ لا مصنف إلا وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل، ….. إلى أن قال: وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن والتوسط أصوب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ وجب إطراحه … ) المعتبر للمحقق الحلي ج 1 ص 29.
النقطة الثالثة:
ان يتم اثبات مادة رجالية كافية لتغطية كل او اكثر رواة الحديث، وان تثبت هذه المادة بطريق تطمئن اليه النفس ، وان لا يكون فيها تناقض او يكثر فيها الوهم والخطأ والاشتباه، وان لا تكون معتمدة على الحدس والاراء والاجتهادات، فيكون الثقاة عند قوم ضعاف عند اخرين، ومعلوم الحال عند قوم مهمل عند غيرهم، فيكون الالتباس والخلط والتعارض على قدم وساق.

وسوف اترك الكلام في النقطتين الأولى والثانية، وساشرع بقوة الله وتوفيقه في سرد الكلام في النقطة الثالثة فقط، فأقول:
لا يخفى ان علم الرجال يعتمد على اصول رجالية خمسة، هي بمثابة الاصل لعلم الرجال او الجرح والتعديل او معرفة احوال الرجال، سمها ما شئت، وهذه الاصول الرجالية كالتالي: ( رجال الكشي و رجال البرقي و رجال النجاشي ورجال الطوسي والفهرست للطوسي ايضا (.
وقد يلحق بها كتاب ابن الغضائري ، وسيأتي الكلام عن الجميع. وقد نص المحقق الخوئي على ان الاصول الرجالية هي الخمسة المتقدمة، واما رجال ابن الغضائري فقد استدل المحقق الخوئي بكلام طويل على عدم اعتباره وعدم ثبوت نسبته الى ابن الغضائري، راجع معجم رجال الحديث للخوئي ج1 ص95.
بل ان بعض العلماء جزم بأن كتاب رجال ابن الغضائري موضوع ومزور وربما دسه احد اعداء الشيعة باسم ابن الغضائري للنيل من اصحاب الائمة (ع) والتشنيع عليهم، وقد خلط معه بعض كلام ابن الغضائري للتمويه.
وسنأتي الى مناقشة هذه الاصول بالتسلسل وسنرى مدى صمودها امام النقد او مدى كفايتها بالغرض وما هو العدد الذي تكفلت بيانه من رواة الحديث وما نسبة هذا العدد الى مجموع رجال الحديث والرواة:
1-  رجال الكشي:
واسم هذا الكتاب هو ( معرفة الرجال ) وقيل اسمه ( معرفة الناقلين عن الائمة الصادقين ) او ( معرفة الناقلين )، وهو تأليف محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشي، وهو من الثقاة والاجلاء، وقد نص النجاشي على ان كتابه كثير العلم وفيه اغلاط كثيرة، وتوفي الكشي سنة 385 هـ ، على ما ذكره الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم رجال الحديث ج7 ص262 برقم 14166.
ولا يوجد في هذه الاعصار من هذا الكتاب عين ولا اثر سوى ما اختصره الشيخ الطوسي منه وسماه ( اختيار معرفة الرجال ( وعده من مؤلفاته.
فهذا الكتاب اندثر حاله حال كثير من الكتب الرجالية التي اندثرت في غابر الازمان ولم يبق منها سوى الاسم فقط.
وبما ان الموجود الان من كتاب رجال الكشي ، هو ما اختصره الشيخ الطوسي واسماه ( اختيار معرفة الرجال )، فسيكون كلامنا عن هذا الكتاب لا عن كتاب الكشي الاصل:
ان عدد من ترجم لهم وعنونهم الكشي في هذا الكتاب هم ( 465 ) رجلا – حسب تتبعي الدقيق لهذا الكتاب -، وقد روى فيه ( 1151 ) رواية – حسب ترقيم الكتاب – لانه يروي اكثر من رواية في كل ترجمة وقد يروي اكثر من عشر روايات في ترجمة واحدة ، وهذه الروايات منها عن الائمة المعصومين (ع) ومنها عن غير المعصومين كالعلماء.
ونقاط الضعف في هذا الكتاب كالآتي:
النقطة الأولى:
قلة من ترجم لهم الكشي فهم كما تقدم ( 465 ) رجلا، وهذا عدد ضئيل جدا اذا ما قسناه الى عدد مجموع الرواة ، فقد بلغ تعداد الرجال الذين عنون لهم المحقق الخوئي في معجمه الى ( 15706 )، وبلغ تعداد كتاب مستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي الشاهروي الى ( 18189 ) ، وحتى لو تنزلنا وطرحنا من مستدركات النمازي ( 3000 ) رجلا، لاحتمال وجود المكرر وما شابه ذلك، لبقي ( 15189).

واذا طرحنا من ترجم لهم الكشي ( 465 ) من مجموع ما وصلت له المستدركات الان   15189 ))، لكان الناتج ( 14724 ) رجلا لم يترجم لهم الكشي في كتابه، وهذا عدد هائل جدا.
اذن فكتاب رجال الكشي لا يفي بالغرض لمعرفة احوال الرجال ابدا، لقلة من ذكرهم وترجم لهم، فلا يمكن ان يقال بضعف او جهالة كل من لم يترجم لهم الكشي في رجاله.
النقطة الثانية:
ان الكثير من الرجال الذين يروي عنهم الكشي تراجم الرجال هم مضعفون ومطعون فيهم في كتب الرجال الأخرى ، بل منهم من نص الكشي نفسه على ضعفه بعد ان نقل عنه رواية ما.

وقد تتبعت بصورة سريعة الرجال الذين ضعفهم المحقق الخوئي في معجمه من الذين يروي عنهم الكشي تراجم الرجال فعددت منهم ( 83 ) رجلا.
واحد هؤلاء الرجال الذين ضعفهم المحقق الخوئي وغيره، يروي عنه الكشي في كتابه (50 ) رواية تقريبا ، وهو ( نصر بن صباح ( فما بالك اذا احصينا ما رواه الـ ( 83 ) رجلا ، والذين هم مضعفون عند المتأخرين او عند المحقق الخوئي وغيره، فسيقل عدد الروايات الصحيحة في كتاب رجال الكشي والتي مجموعها كما تقدم (1151 )، فربما سيكون مجموع الصحيح هو مثلا ( 700 ) رواية، وتبعاً لذلك سيقل عدد التراجم المعتبرة للرجال والتي قلنا انها (465 )، فقد يتقلص العدد الى ( 250 ) رجلا ، او اكثر او اقل بقليل، لانه اذا كان الكشي قد ساق رواية او روايات في توثيق او تضعيف رجل ما وكانت هذه الروايات ضعيفة ، فهي ليست بحجة وبالتالي يبقى الرجل المترجم بلا توثيق او تضعيف أي انه مجهول الحال وان كان معلوم العين، فلا تكون فائدة من ذكر تلك الروايات الضعيفة سندا في الجرح والتعديل، وهذا الكلام ملزم لمن يشرط صحة السند في الروايات، كما هو منهج المحقق الخوئي وغيره.
ففي هذه النقطة يكون الحال أسوأ مما ذكرته في النقطة الأولى، ويكون كتاب رجال الكشي ضئيل الفائدة جدا في تغطية تراجم الرجال.  نكتفي بهذا القدر على أن نستكمل البحث في القسم اللاحق.

(صحيفة الصراط المستقيم العدد 37 بتاريخ 1 جمادى الاول 1432 هـ الموافق ل 05/04/2011 )

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى