أخبار سياسية منوعة

الأحزاب في البصرة : صراع المافيات

لو قُيض لك القيام بجولة في شوارع مدينة البصرة ستقع عيناك على جدران تملؤها صور وملصقات علقتها أحزاب تخوض فيما بينها تنافساً انتخابياً .

الأحزاب في البصرة : صراع المافيات

أبو محمد الأنصاري

لو قُيض لك القيام بجولة في شوارع مدينة البصرة ستقع عيناك على جدران تملؤها صور وملصقات علقتها أحزاب تخوض فيما بينها تنافساً انتخابياً . إذن جدران المدينة أو سطحها الخارجي يمنحك إنطباعاً عن مدينة ديمقراطية ، ولكن هذه الحقيقة الخارجية السطحية سرعان ما يتكشف لك كذبها ما إن تتعرف على حقيقة هذه الأحزاب من الداخل ، أي عبر التعرف على شخوصها وأخلاقية التعامل فيما بينهم من جهة ، وفيما بينهم وبين الآخرين من جهة أخرى ، وستخرج حتماً بقناعة كاملة هي أن هذه الأحزاب عصابات مافيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وتكتشف بوضوح كامل أن الشعارات التي تتبجح برفعها على الجدران ليست سوى قناع تخفي وراءه وجهها البشع ، وورقة تخاتل بها عواطف السذج من الناس ، وأن الديمقراطية التي تنبح بها وسائل أعلامهم ما هي إلا خدعة قاسية ، بل نكتة سوداء ساخرة ومريرة .

والأهم من كل شئ أن مشاريعها الحقيقية التي تجير لها السياسة هي مشاريع مافيوية بامتياز ، فالسياسة بالنسبة لهذه الأحزاب طريق لبلوغ مراكز السلطة والقرار ، والتحكم بالتالي بمقدرات المدينة وخيراتها وأموالها ، وبكلمة واحدة لا تحمل هذه الأحزاب أي مبدأ ولا تملك أي برنامج تسعى لطرحه والنهوض بواقع المدينة من خلاله .

نعم تتحدث هذه الأحزاب في حملاتها الإنتخابية عن مشاريع وتصورات مستقبلية تجعل من مدينة البصرة قطعة من جنة الخلد تهفو لها القلوب وتوقد نار الغيرة والحسرات في قلوب سكان مدن لندن وباريس ونيويورك ، هذه المدن التي ستبدو مزابل فيما لو تجرأ سكانها المغفلون على مقايستها بالبصرة الجديدة ( new basrah ) ، ولكن هذه الأحاديث أحاديث خرافة ليس إلا ، أساطير القصد منها إسالة لعاب الناس ، وجعلهم يتلمظون الوهم الذي يأتي ولن يأتي .

ومن محاسن الصدف إن الحزبين المتنافسين على البصرة ؛ حزب اليعقوبي ( الفضيلة : يسميه البصريون حزب الرذيلة ) وحزب الحكيم ( المجلس الأعلى : تسميته المفضلة عند البصريين : المجلس الأعمى ) ، هذان الحزبان أمسكا فعلياً مقاليد الأمور في المدينة ، ولم ير البصريون من مشاريعهم الأسطورية شيئاً باستثناء سرقات النفط وتشجير الأرصفة بالجثث المتعفنة . بل إن حزب الفضيلة الذي دخل الإنتخابات بشعار ( من أجل بصرة أنظف ) – وهو الشعار الذي لاحظ البصريون بحق أنه يليق بالبلدية أكثر منه بحزب سياسي – لم يحقق منه الحزب سوى المزيد من الشوراع المزدحمة بالصخور الكونكريتية والساحات التي تستحيل بحيرات آسنة في فصل الشتاء ، وكانوا دائما ما يعتذرون بأن الأحزاب الأخرى الشريكة في مجلس البصرة تعرقل مشاريعهم ، ولكن هذا وإن كان صحيحاً وهو ما يدلك على طبيعة الديمقراطية العراقية .. ديمقراطية المغالبة ، إلا أنه يتبين لك بوصفه عذراً أقبح من ذنب فيما لو حاكمته على خلفية أن منصب المحافظ بيد حزب الفضيلة ، وأن الأخبار المؤكدة التي دلت عليها الكثير من الشواهد تتحدث عن أرصدة خرافية وبالعملة الصعبة الممتزجة برائحة النفط يتم تهريبها الى مصارف دول الخليج باسم المحافظ أو باسم أخيه ، وفيلات وشقق فخمة يملكانها في الإمارات والكويت ومصر وغيرها .

أما اللغة التي تتحاور بها هذه الأحزاب فهي لغة قوية حقاً ! فلكل حزب من هذه الأحزاب ميليشيا عسكرية مدججة بأنواع مختلفة من الأسلحة الخفيفة ، والمتوسطة ، والثقيلة كذلك ، يستوي في هذا حزب الحكيم ، وحزب اليعقوبي ( حزب الفضيلة ) ، وحزب مقتدى الصدر ، وحزب الدعوة ، وأخيراً حزب محمود الصرخي ( حزب الولاء ) ، وجميع هذه الأحزاب – باستثناء حزب الصرخي ربما – تتخفى بزي قوى الأمن ( الجيش والشرطة والإستخبارات ) وتمارس أعمالها القذرة باسم الدولة ، ويتميز في هذا الجانب حزب الحكيم الذي يمثل بحق دولة داخل الدولة ، فعصابات بدر تسيطر على مراكز القيادة فضلاً على أن أغلبية أفراد الشرطة والجيش والإستخبارات هم من منتسبي هذه العصابات .

ولجميع هذه الأحزاب أجهزة استخبارات ومكاتب جمع معلومات ، وفرق موت خاصة مهمتها تصفية الخصوم ، وغالباً ما تستغل في مهام القتل القذرة عناوين أجهزة الدولة الأمنية ، وتهم الحكومة الجاهزة ، من قبيل : جماعات التكفيرية ، فلول البعث المقنعة ، أعداء المرجعية ( وهذه تهمة خطيرة جداً ! ) ، أما في مواسم الإنتخابات فتكون مهام فرق الموت تصفية المنافسين ، بل الأعداء ، وكذلك تمزيق ملصقاتهم ، ونشر الإشاعات ( هي ليست إشاعات وإنما حقائق خافية عن الكثيرين ، وهذه حسنة مواسم الإنتخابات الوحيدة ) .

وغير ما تقدم تتميز الديمقراطية العراقية بمساحات إبداع عراقية أخرى من قبيل العمل الدؤوب الذي تكرس له الأحزاب في مواسم الإنتخابات مجهودات ضخمة ، ففي هذه المواسم تتذكر الأحزاب المناطق الفقيرة المحرومة من بركات الدولة والمرجعية ، ويبدأ تقاطر الوفود عليها ، وتنعقد الجلسات وتعبق في الجو رائحة الوعود الكاذبة ، وكلمات الرثاء والتعاطف المجانية ، وأخيراً تُوزع هدايا قائمة شهيد المحراب أو قائمة الفضيلة : حقائب مدرسية ودولارات ومدفآت ومولدات كهربائية .. وتذكير بضرورة انتخاب القائمة التي تتفطر قلوب رجالاتها ألماً على الفقراء والمحرومين .

وكما هو شأن الديمقراطيات الإستخفافية لا تنسى الأحزاب بطبيعة الحال دغدغة المشاعر الدينية ، والتلويح للناس بحرصها البالغ على هوية الشعب الإسلامية ، والأحزاب في هذا الصدد تكثر من ترديد الإنجاز غير المسبوق الذي تحقق للجماهير ، والمتمثل بإطلاق حرية اللطم ، فاللطم المشاع هو الدين كله أما حاكمية الله التي نبذتها الأحزاب فتسدل دونها أستار دونها أستار .

Aaa-aaa9686_(at)_yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى